آخر الأخبار

نصف قرن على المسيرة الخضراء.. الصحراء المغربية تتحول إلى بوابة للتنمية والاستثمار

شارك

يحيي المغرب هذه السنة الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، الحدث الوطني الذي تحول إلى رمز خالد في تاريخ المملكة، وجسد إرادة شعب بأكمله في الدفاع عن وحدة ترابه وهويته الوطنية. إنها ذكرى تستحضر ملحمة 6 نونبر 1975، حين خرج 350 ألف مغربي ومغربية من مختلف جهات المملكة استجابة لنداء الملك الراحل الحسن الثاني، في مسيرة سلمية لاسترجاع الأقاليم الجنوبية إلى الوطن الأم.

واليوم، بعد مرور نصف قرن على تلك المحطة التاريخية، يخلد المغاربة هذه الذكرى في سياق وطني ودولي مغاير، تتقاطع فيه التحولات السياسية والتنموية والدبلوماسية التي رسخت مكانة المملكة كقوة إقليمية صاعدة، وأكدت أن خيار التنمية هو الامتداد الطبيعي لمسيرة التحرير.

قرار أممي.. منعطف تاريخي

تتزامن الذكرى الخمسون للمسيرة الخضراء مع صدور القرار الأممي رقم 2797، الذي شكل منعطفا تاريخيا في مسار النزاع حول الصحراء المغربية. فقد أكد القرار، لأول مرة بهذا الوضوح، أن مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب سنة 2007 هي الحل الواقعي والوحيد القابل للتطبيق، تحت السيادة المغربية.

بهذا القرار، طويت صفحة عقود من المناورات السياسية، وكرس المجتمع الدولي قناعته بجدية المقترح المغربي ومصداقيته. كما اعتُبر القرار تتويجا لجهود الدبلوماسية المغربية بقيادة الملك محمد السادس، التي نجحت في بناء إجماع دولي متنامٍ حول الموقف المغربي، وترسيخ القناعة بأن التنمية والاستقرار في الصحراء المغربية هما الأساس لأي حل دائم وعادل.

وفي خطاب تاريخي عقب صدور القرار، أكد الملك محمد السادس أن “المغرب يعيش مرحلة فاصلة في تاريخه الحديث، فهناك ما قبل 31 أكتوبر 2025، وهناك ما بعده”، في إشارة إلى أن القضية الوطنية دخلت مرحلة الحسم السياسي والتنفيذي، وأن التنمية أصبحت رهان السيادة ومجالها العملي.

دينامية استثمارية غير مسبوقة

لم تعد الأقاليم الجنوبية مجرد فضاء رمزي للوحدة الوطنية، بل تحولت إلى ورش مفتوح للتنمية المتسارعة. فقد شهد مطلع عام 2025 مصادقة اللجنة الوطنية للاستثمارات على عشرين مشروعا استراتيجيا تتجاوز قيمتها 17 مليار درهم، موزعة على مدن العيون والداخلة وكلميم وطانطان، وتركز على مجالات الطاقة المتجددة، اللوجستيك، البنية التحتية، والصناعات البحرية.

ومن بين أبرز المشاريع المهيكلة ميناء الداخلة الأطلسي، أحد أضخم المشاريع البحرية في إفريقيا، والذي سيجعل من المدينة منصة للتبادل التجاري بين القارتين الإفريقية والأوروبية، فضلاً عن دوره في ربط المغرب بعمقه الأطلسي والإفريقي، ومشروع طاقة الرياح بطرفاية، باستثمار يفوق 5 مليارات درهم، والذي يندرج ضمن استراتيجية الانتقال الطاقي للمملكة، ومشروع ربط الداخلة بالشبكة الكهربائية الوطنية، لتعزيز استقلالها الطاقي وضمان تزويدها الدائم بالكهرباء النظيفة، بالإضافة إلى الطريق السريع تزنيت–الداخلة، الذي تجاوزت أشغاله 85 في المائة، ويرتقب أن يختصر المسافة بين شمال وجنوب المملكة، مساهما في تنشيط المبادلات التجارية والسياحية.

وتواكب هذه المشاريع برامج اجتماعية موجهة لتحسين جودة الحياة، من خلال بناء مستشفيات جامعية، ومؤسسات للتكوين المهني، وتوسيع شبكات الماء والكهرباء والصرف الصحي، إلى جانب تحفيز المقاولات المحلية والشباب على خلق مشاريع ذات قيمة مضافة.

تحول الصحراء إلى قطب اقتصادي إفريقي

تسعى المملكة إلى جعل الأقاليم الجنوبية بوابة استراتيجية نحو إفريقيا، ضمن رؤية ملكية تروم تعزيز موقع المغرب كقوة اقتصادية إقليمية. فميناء الداخلة الأطلسي ومناطقها الصناعية الجديدة سيشكلان محوراً للتصدير والاستثمار نحو دول الساحل وغرب إفريقيا.

كما أضحت مدن العيون والداخلة تحتضنان مؤسسات دولية وقنصليات لأزيد من ثلاثين دولة، ما يعكس اعترافا دبلوماسيا متزايدا بمغربية الصحراء. هذا الحضور الدولي يعزز المكانة الجيوسياسية للمناطق الجنوبية كمجال جذب للاستثمارات الأجنبية المباشرة، خصوصاً في قطاعات الصيد البحري، الطاقات المتجددة، والسياحة البيئية.

في المقابل، ساهمت هذه الدينامية في تقليص نسب البطالة ورفع مؤشرات التنمية البشرية، حيث باتت معدلات النمو في الأقاليم الجنوبية تفوق المعدل الوطني، وفق آخر تقارير رسمية.

من رمز للتحرير إلى ملهمة للتنمية

لم تكن المسيرة الخضراء حدثاً عابراً في تاريخ المغرب، بل تحولت إلى فلسفة عمل جماعي تتجدد مع كل مرحلة من تاريخ البلاد. فكما كانت المسيرة الأصلية سلمية في تحرير الأرض، فإن المسيرة الجديدة تنموية في بناء الإنسان والاقتصاد.

وفي هذا السياق، تواصل المملكة إطلاق برامج كبرى لتشجيع الشباب على الاندماج الاقتصادي، ودعم المرأة المقاولة، وتحفيز الاستثمارات المحلية. كما يتم العمل على تحويل الداخلة إلى عاصمة اقتصادية أطلسية، تستقطب المؤتمرات الدولية والمبادرات الإفريقية المشتركة.

بين 1975 و2025، تمتد مسيرة نصف قرن من البناء والعطاء. في الأولى خرج الشعب استجابة لنداء الوطن، وفي الثانية يواصل الأجيال الجديدة استكمال ذات المسار برؤية تنموية حديثة.

لقد أثبتت التجربة أن المسيرة الخضراء ليست فقط حدثا سياسيا، بل روحا متجددة تسكن وجدان المغاربة، وترسخ فيهم قيم التضامن والإجماع الوطني حول قضية الصحراء المغربية.

واليوم، بعد خمسين عاماً من الانطلاقة، تتجدد المسيرة بروح جديدة تقودها رؤية ملكية استراتيجية، تُحوّل الأقاليم الجنوبية إلى القلب النابض للتنمية الإفريقية، وترسخ المغرب كدولة مستقرة، طموحة، ومؤثرة في محيطها الإقليمي والدولي.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا