قاربت مداخلات أكاديميين مغاربة، أمس الأربعاء خلال الجلسة العلمية الرابعة ضمن الندوة الدولية حول “الصحراء المغربية..التاريخ والتحديات الجيو-سياسية”، المنظمة من قبل أكاديمية المملكة بشراكة مع جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، الإسطوغرافيا والسرديات حول المسيرة الخضراء، موضحة من خلال نتائج مقالات علمية دور الصحف الورقية والمأثورات الشفهية في بناء وإعادة إنتاج السردية الوطنية حول الحدث الذي يحتفي المغرب هذه السنة بذكراه الخمسينية.
ابتسام العزيزي العلوي، أستاذة بالأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الرباط سلا القنيطرة، وباحثة في العلوم الاجتماعية، أوضحت خلال مداخلتها أن جريدتي المحرر والعلم، وهما لسانا حزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاستقلال، على التوالي، حاولتا أن تتبنيا في موادهما الإخبارية المتعلّقة بالمسيرة الخضراء “لغة كونية مفهومة لدى المجتمع الدولي”.
وأضافت العلوي، وهي تستعرض نتائج مقال علمي حلل عينة من أعداد الجريدتين، بالاعتماد على برنامج معلوماتي متخصص، وترميز مقاطع من المقالات المدروسة إلى فئات، أنهما بذلك “صورتا المسيرة الخضراء كفعل قانوني في أفق إنهاء الاستعمار، وبهذا بنيتا سردية السلمية والواقعية والشرعية”، وزادت: “هذه كلها عناصر تقوي المصداقية”.
وبخصوص فئة تأويلات مبدئية تقرير المصير تبيّن للباحثة أن “الجريدتين لم تمنحا الشرعية للمبدأ ولم تعطيا نظرة سلبية للعدو”، موضحة بشأن فئة العدو الآخر المناوئ أن مقالاتهما “سعت إلى توطيد شرعية وحدة الصف في مواجهة العدو الخارجي”.
كما أن المنبرين البارزين لدى متابعتهما نظام فرانكو ومرضه الذي تزامن وتنظيم المسيرة الخضراء “كانتا تعيدان ترجمة هذا الظرف السياسي إلى إظهار المغرب في مواجهة خصم يجب أن نستغل الفرصة للقضاء عليه”، كذلك تظهر المواد الصحفية المنشورة من قبلهما “آلية لتحويل المواطنين من فاعلين إلى مشاركين، وبهذا المعنى لا تكون المسيرة خبرا، بل طقسا يغذي الذاكرة الوطنية ويجدد البيعة الدولية”، وفق المتحدث ذاتها.
عبد الحميد فائز، أستاذ جامعي بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، قال: “أعتبر أن الكتابة حول التاريخ الوطني في سياق الكتابة الأكاديمية حول المسيرة الخضراء تحديدا هي اختبار لـ’ميتا’ الشعور الوطني، واختبارا لسرديات الذاتية حول هذا الحدث. وفي هذه الحالة تبدو الكتابات التاريخية بدرجات متفاوتة حول المسيرة تمثيلا لهذه التجربة الشاعرية المشتركة المعاشة بدرجات متفاوتة”.
وأضاف فائز، في مداخلته، أن “حدث المسيرة ظهر في الخطاب التاريخي لدى المؤرخين الذين كتبوا عنه في السبعينات، ما أطلق عليه الوطنية الفائقة، إذ إن الشاعرية المرتبطة بالخطاب التاريخي قد طغت على الخطاب التاريخي التأسيسي حول المسيرة”، وأشار إلى مقال مطول كتبه الأستاذ الراحل إبراهيم بوطالب تحت مسمى “المغاربة وتاريخهم”، وبعنوان فرعي هو “المسيرة الخضراء”، مردفا: “عند الاطلاع على المقال نجد أن الأستاذ إنما اشتغل، كما يقول هو نفسه، على تاريخ الشعب الذي عاش المسيرة، لا على الحدث بذاته”.
قالت فاطمة حمومي، الباحثة بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن “المأثورات الشفهوية التي واكبت حدث المسيرة الخضراء خلال سيرورة الحدث، من أغان وأهازيج وشعارات، شكلت بنية رمزية مكثفة ساهمت في إعادة بناء علاقة المجتمع والدولة وتعزيز السيادة على التراب؛ فمن خلال هذا الإنتاج الشعبي ساهم الأفراد من مختلف جهات المملكة كفاعلين في إنتاج الثقافة في تقديم سرديات وطنية تتجاوز الإطار المؤسساتي”.
وأضافت حمومي، في مداخلتها حول “المأثورات الشفهية وإعادة إنتاج السردية الوطنية حول حدث المسيرة الخضراء”، أن “هذه المأثورات أضفت على الحدث أبعادا وجدانية ذات بعد جماعي، جعلت من الذاكرة الجماعية الوطنية مبنية من الأسفل”.
وعلاقة بالشق الميداني لدراستها أوضحت الباحثة أن “الأمازيغ من الريف والأطلس وسوس والعرب من السهول والجبال والساكنة الصحراوية شاركوا جميعا في المسيرة وهم يرقصون رقصات ويؤدون الأغاني”
ولفتت المتدخلة إلى “تحول الرقص والغناء داخل هذه الأجواء من مجرد فعل ترفيهي إلى طقس وطني، ليصبح مسيرة موازية رمزية”، موردة أنه “حتى لحظة التعبئة لم يتحول الخطاب الشعبي إلى خطاب كراهية”، مبرزة على سبيل المثال الأغنية الأمازيغية (النشادة) التي تخاطب الملك: “دو دستاوين”، أي “اذهب ببطء”، وتتضمن: “اذهب ببطء..اذهب ببطء فأنت الأسد يا حسن، اذهب ببطء اذهب ببطء فصديقك من أفسد العلاقة”، وموضحة أن “هذا المقطع رغم شحنته العاطفية لا يتضمن أي دعوة للعنف أو الكراهية للشعوب، فهو يواجه نقدا أخلاقيا موجها إلى صديق خان الثقة”.
المصدر:
هسبريس