يشكل قرار مجلس الأمن الأخير رقم 2797 تتويجاً لمسار دبلوماسي دقيق، ويؤسس بشكل حاسم لمستقبل قضية الصحراء المغربية؛ فبدلاً من لغة التوازن السابقة يجمع الخبراء على أن القرار الجديد يمثل نقلة نوعية تضع مبادرة الحكم الذاتي في صلب العملية السياسية، ليس كخيار ضمن خيارات، بل كإطار وحيد ومُلزم للتفاوض.
ويطرح هذا التحول الجذري سؤالاً جديداً حول مستقبل الملف، فبعد أن حُسم النقاش حول “ماهية الحل” كيف ستبدو ملامح المرحلة القادمة لتطبيقه؟.
ويرى خبراء أننا نشهد “نهاية مرحلة الخيار المفتوح”، وأن المغرب أصبح في “موقع من يمتلك الحل وليس من يطلبه”، وهو ما يفتح الباب أمام ترجمة السيادة السياسية إلى واقع اقتصادي وتنموي. ويؤكد آخرون أن هذا التكريس الدبلوماسي يدشن مرحلة “التسوية السياسية التدرجية” التي تضع الأطراف الأخرى، وتحديداً الجزائر، أمام مسؤولياتها التاريخية للانخراط بجدية في المسار البنّاء الذي حدده مجلس الأمن.
وفي هذا الإطار يؤكد الشرقاوي الروداني، الخبير في الدراسات الجيو-إستراتيجية والأمنية، أن القرار الأممي الأخير رقم 2797 أنهى مرحلة الخيار المفتوح وأقر بأن مبادرة الحكم الذاتي المغربية هي الإطار الوحيد الممكن للتفاوض، ويضيف: “هذا التحول يخرج الملف من دائرة النزاع الأيديولوجي إلى منطق الحل السياسي الواقعي”.
ويشير الروداني، ضمن تصريح لهسبريس، إلى أن الأمم المتحدة، بلغة قانونية دقيقة، لم تكتف بالثناء على المقترح المغربي، بل جعلته مرجعية تفاوضية ملزمة، ما يعني أن أي طرح خارج هذا الإطار أصبح فاقدًا للشرعية السياسية والقانونية، مردفا: “الملف يتجه نحو التصفية التدريجية وليس نحو إعادة فتح النقاش حول تقرير المصير بمعناه الانفصالي”.
ويؤكد الخبير نفسه أن “المغرب أصبح اليوم في موقع من يمتلك الحل، وليس في موقع من يطلبه”، وأن “المكاسب الميدانية والدبلوماسية المتزايدة ستسمح بتحويل الدبلوماسية المغربية من منطق التبرير إلى منطق البناء”، وزاد: “عبر تعميم مبادرة الحكم الذاتي وتقديم الصياغة التنفيذية الواضحة للأمم المتحدة بلور المغرب نموذج الحكم الجهوي المتقدم في الأقاليم الجنوبية، ما يفتح المجال أمام المفاوضات التقنية مع الأمم المتحدة والدول المعنية في إطار زمني محدد”.
كما لفت المتحدث ذاته إلى أن القرار الأممي “يمهد لترجمة السيادة السياسية إلى سيادة اقتصادية، عبر مشاريع كبرى مثل ميناء الداخلة الأطلسي، وخط الغاز نيجيريا-المغرب، والممرات الإفريقية الأطلسية، التي قد تصبح ركائز لدمج الصحراء المغربية في الاقتصاد العالمي”، وتابع: “القرار يعطي دفعة قوية للمبادرة الملكية لفك العزلة عن دول الساحل، إذا أصبحت الموانئ المغربية الجنوبية البوابة الطبيعية لهذه البلدان، ما يجعل الأقاليم الجنوبية نقطة وصل بين الأطلسي وعمق إفريقيا”.
وعلى المستوى الجيوسياسي، يرى الروداني أن القرار “سيؤدي إلى تراجع الدور الجزائري وتآكل أوراق البوليساريو، إذ لم يعد بإمكان الجزائر التملص خلف مفهوم المراقب، فيما أصبحت الجبهة مجرد ورقة ضغط منتهية الصلاحية”، خاتما: “نحن نتجه نحو تثبيت الحل عبر الواقعية الميدانية، من خلال تفعيل الحكم الذاتي بصيغته المغربية الواقعية، ودعم التنمية الجهوية المتكاملة في المناطق الجنوبية، وتعزيز الاندماج الإقليمي الأطلسي الساحلي، وبناء تحالفات اقتصادية وأمنية تجعل أي عودة للوراء مستحيلة”.
من جانبه يشير رشيد لزرق، رئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات، إلى أن القرار الأممي “يفتح الباب أمام مرحلة جديدة تقوم على ترجيح مقاربة الحكم الذاتي في ظل السيادة المغربية، باعتبارها الخيار الأكثر واقعية ودوامًا لحل النزاع، مقارنة بخيار الاستفتاء الذي أظهر محدوديته بعد عقود من الجمود”.
ويضيف لزرق، ضمن تصريح لهسبريس، أن القرار “يُعيد تأطير الملف داخل منطق التسوية السياسية التدرجية، مع إبراز ضرورة إشراك جميع الأطراف، وفي مقدمتها الجزائر، باعتبارها طرفًا أصليًا في النزاع، لا مجرّد دولة مجاورة، وهو ما يضعها أمام مسؤوليتها القانونية والأخلاقية في المساهمة بخلق مناخ بناء للتفاوض”.
لكن المتحدث يحذر من أن القرار، رغم أهميته السياسية والدبلوماسية، “لا يضمن نهاية النزاع بحد ذاته، بل يمهد لمسار تفاوضي طويل قد يتخلله توتر وتعطيل إذا لم تُواكبه إرادة سياسية حقيقية من جميع الأطراف”، ويطرح التساؤلات الجوهرية: “هل ستقبل جبهة البوليساريو بالانخراط في مفاوضات لا تتضمن خيار الانفصال؟ وهل ستتجاوب الجزائر مع مطلب مجلس الأمن بشأن الجلوس إلى طاولة الحل؟”، ويخلص إلى أن “الحسم في هذه الأسئلة سيكون الفيصل بين انتقال النزاع إلى مرحلة ‘التسوية المتقدمة’، أو بقائه في دائرة ‘التجميد والنزيف الدبلوماسي’ الذي لا يخدم أي طرف على المدى البعيد”.
المصدر:
هسبريس