في خطوة تاريخية فارقة في مسار تسوية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، اعتمد مجلس الأمن الدولي، مساء أمس الجمعة، قرارا يدعم إجراء مفاوضات على أساس مقترح الحكم الذاتي الذي تقدمت به الرباط، بهدف التوصل إلى حل عادل ودائم ومقبول من الأطراف، التي دعاها إلى الانخراط في المناقشات بدون شروط مسبقة، استنادا إلى هذه المبادرة المغربية.
وألقى الملك محمد السادس، مباشرة بعد تبني القرار، خطابا إلى الشعب المغربي أكد فيه التزام المملكة بتقديم نسخة محينة ومفصلة من مبادرة الحكم الذاتي إلى الأمم المتحدة، قائلا: “في سياق هذا القرار الأممي، سيقوم المغرب بتحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي، وسيقدمها للأمم المتحدة لتشكل الأساس الوحيد للتفاوض، باعتبارها الحل الواقعي والقابل للتطبيق”.
ويعكس التقدير الدولي الذي حظي به المقترح المغربي اعترافا بواقعية هذا الحل الذي يوازن بين سيادة المغرب وحقوق سكان أقاليمه الجنوبية؛ إذ تُكرّس جلّ القرارات الأممية سموّ هذه المبادرة على غيرها من المقترحات التي تجاوزها الواقع السياسي والجغرافي الدولي، خاصة وأن المخطط المغربي يجمع بين الواقعية السياسية والمرونة الحقوقية.
وتقدمت المملكة المغربية بهذا المقترح الجاد إلى الأمم المتحدة في 11 أبريل 2007، إيمانا منها بضرورة إيجاد حل نهائي للنزاع المفتعل حول أقاليمها الجنوبية بما يخدم مصالح دول الفضاء المغاربي ويكفل الأمن والاستقرار الإقليمي. ويُعد هذا المقترح مبادرة توافقية ومسؤولة ومنفتحة، تمكّن جميع الصحراويين، سواء المقيمين داخل المملكة أو في الخارج، من تدبير شؤونهم المحلية ديمقراطيا عبر هيئات تمثيلية تشريعية وتنفيذية وقضائية.
ويتيح مقترح الحكم الذاتي تجسيد مبدأ “تقرير المصير” في إطار السيادة الوطنية، ويستجيب للشرعية الدولية والمعايير المتعارف عليها في أنظمة الحكم الذاتي عبر العالم، فضلا عن كونه يعزز احترام حقوق الإنسان كما نص عليها الدستور المغربي والمواثيق الدولية.
وتلتزم المملكة، وفق نص المبادرة، بضمان مكانة لائقة لجميع الصحراويين، داخل الوطن وخارجه، ومشاركتهم الكاملة في هيئات الجهة ومؤسساتها، بعيدا عن أي تمييز أو إقصاء، على أن يتولى سكان الصحراء تدبير شؤونهم بأنفسهم بشكل ديمقراطي من خلال هيئات ذات اختصاصات حصرية.
وينص المقترح على احتفاظ الدولة المغربية باختصاصاتها في المجالات السيادية، ولا سيما الدفاع والعلاقات الخارجية والاختصاصات الدستورية والدينية للملك بصفته أميرا للمؤمنين. كما يخضع نظام الحكم الذاتي المنبثق عن المفاوضات لاستفتاء محلي وفق مبدأ “تقرير المصير” وأحكام ميثاق الأمم المتحدة.
ويقترح النص أن يمارس سكان جهة الحكم الذاتي اختصاصاتهم داخل حدود الجهة عبر هيئات تنفيذية وتشريعية وقضائية، في مجالات تشمل الإدارة المحلية، والشرطة الجهوية، والقضاء، والتنمية الاقتصادية، والتخطيط الترابي، وتشجيع الاستثمار وغيرها من القطاعات الحيوية.
وجاء في نص المبادرة: “تتوفر جهة الحكم الذاتي للصحراء على الموارد المالية الضرورية لتحقيق تنميتها في مختلف المجالات، وتتكون هذه الموارد أساسا من الضرائب والرسوم والمساهمات المحلية التي تحددها هيئات الجهة، إضافة إلى العائدات المتأتية من استغلال الموارد الطبيعية المخصصة لها”.
أما بخصوص الاختصاصات الحصرية للدولة، فقد نص المقترح على أن “تباشر الدولة مسؤوليتها في مجال العلاقات الخارجية بتشاور مع جهة الحكم الذاتي للصحراء، في القضايا ذات الصلة المباشرة باختصاصات الجهة، ويجوز لهذه الأخيرة، بتشاور مع الحكومة، إقامة علاقات تعاون مع جهات أجنبية لتطوير الحوار والتعاون”.
كما أكد المقترح أن الاختصاصات غير المنصوص عليها صراحة تُمارس باتفاق بين الطرفين وفق مبدأ التفريع، وأن سكان الجهة ممثلون في البرلمان الوطني وباقي المؤسسات الوطنية، ويشاركون في مختلف الاستحقاقات الانتخابية.
وفي ما يخص هيئات الجهة، تنص المبادرة على أن يتكون برلمان الحكم الذاتي من أعضاء منتخبين من مختلف القبائل الصحراوية، وأعضاء آخرين منتخبين بالاقتراع العام المباشر من مجموع سكان الجهة، مع تمثيلية ملائمة للنساء. أما السلطة التنفيذية فيتولاها رئيس حكومة ينتخبه البرلمان الجهوي ويعينه الملك.
ويُناط برئيس حكومة الجهة تشكيل الجهاز التنفيذي وتعيين الموظفين الإداريين الضروريين لممارسة اختصاصاته، بينما يتولى برلمان الجهة إحداث محاكم تختص بالنظر في المنازعات المرتبطة بتطبيق القوانين الجهوية، وتصدر أحكامها باستقلال تام وباسم الملك.
وتضم جهة الحكم الذاتي محكمة عليا جهوية تُعد أعلى هيئة قضائية داخلها، تختص بتأويل قوانين الجهة، دون المساس باختصاصات المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمحكمة الدستورية للمملكة، على أن تكون القوانين والأحكام الصادرة عن مؤسسات الجهة مطابقة لدستور المملكة ولنظام الحكم الذاتي.
ويتمتع سكان الجهة بجميع الضمانات التي يكفلها الدستور في مجال حقوق الإنسان، الذي يُدرج فيه نظام الحكم الذاتي لضمان استقراره ومكانته ضمن المنظومة القانونية للمملكة.
كما تلتزم المملكة المغربية، بموجب المقترح، باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لإدماج العائدين إلى الوطن في ظروف تضمن كرامتهم وسلامتهم وحماية ممتلكاتهم، مع إصدار عفو شامل يستبعد أي متابعة أو اعتقال أو حبس أو شكل من أشكال الترهيب.
وجاء في ختام النص: “بعد موافقة الأطراف على مشروع نظام الحكم الذاتي، يُنشأ مجلس انتقالي مكون من ممثلي الأطراف لتدبير عودة سكان المخيمات إلى الوطن، ونزع السلاح، وتسريح وإعادة إدماج العناصر المسلحة خارج تراب الجهة، والمساهمة في كل ما يهدف إلى إقرار هذا النظام وتطبيقه، بما في ذلك تنظيم العمليات الانتخابية”.
المصدر:
هسبريس