آخر الأخبار

الأطفال تحت التهديد.. مأساة طنجة تكشف هشاشة مراقبة الحضانات بالمغرب

شارك

أعادت حادثة وفاة رضيعة لم تتجاوز ثمانية أشهر داخل إحدى دور الحضانة بمدينة طنجة النقاش حول واقع مؤسسات رعاية الطفولة المبكرة في المغرب. فقد كشفت تفاصيل الحادثة عن خلل بنيوي في منظومة المراقبة والتأطير، وضعف التطبيق العملي للقوانين المنظمة لهذا القطاع الحساس.

وبحسب التحقيقات، فارقت الرضيعة الحياة إثر تعرضها لنزيف دماغي وكدمات خطيرة، بعدما تُركت تحت رعاية طفلة لا يتجاوز عمرها ثماني سنوات. وأمرت النيابة العامة بتوقيف صاحبة الحضانة والعاملة المشرفة، لكونهما تتحملان المسؤولية المباشرة عن الإهمال والتقصير في أداء واجب الحماية والمراقبة.

إقرأ ايضا: مصدر أمني يكشف تفاصيل وفاة رضيعة داخل حضانة بطنجة

هذه الحادثة ليست الأولى، بل تأتي ضمن سلسلة وقائع مماثلة شهدتها مدن مغربية خلال السنوات الأخيرة. ففي أبريل 2025، توفي طفلان داخل حضانة منزلية غير مرخصة بالدار البيضاء، وفي ماي من نفس العام لقيت رضيعة مصرعها داخل حضانة غير قانونية بمدينة تمارة. كما سجل حي الألفة بالدار البيضاء سنة 2012 وفاة طفل داخل حضانة خاصة في ظروف غامضة. جميع هذه الحوادث تتقاطع في أسبابها: غياب المراقبة، هشاشة التأطير، ووجود مؤسسات تعمل خارج أي إطار قانوني واضح.

منظمة “ما تقيش ولدي” وصفت ما وقع في طنجة بأنه انتهاك خطير لقواعد السلامة والرعاية داخل فضاءات الطفولة المبكرة، مؤكدة أن الحادثة تكشف عن غياب شبه تام للرقابة الإدارية والبيداغوجية في العديد من الحضانات، وتحمل الجهات الوصية مسؤولية مباشرة في السماح بتنامي مؤسسات تشتغل في الظل دون تأهيل أو إشراف. ودعت المنظمة إلى فتح تحقيق شامل حول شروط الترخيص والمراقبة، وتبني معايير قانونية صارمة تمنع تشغيل القاصرين وتلزم بوجود أطر مؤهلة في مجال الرعاية النفسية والتربوية للأطفال.

ويرى فاعلون جمعويون أن المأساة لا ينبغي أن تختزل في بعدها الجنائي، بل يجب قراءتها كمرآة تعكس هشاشة الإطار المؤسساتي برمته. ويؤكد لخضر بوشتى، رئيس جمعية البوغاز للمرأة والطفل، أن حادثة طنجة تشكل جرس إنذار لإعادة تنظيم قطاع الحضانة، الذي لا يمكن التعامل معه كمشروع تجاري، بل كمؤسسة اجتماعية تكمل دور الأسرة في التربية والحماية. وأضاف أن الإصلاح لا يتحقق بالعقوبات فقط، بل بخلق منظومة حضانات آمنة وذات جودة ومهنية تحافظ على حقوق الأطفال والأمهات معا.

قانونيا، تخضع مؤسسات الحضانة الخاصة في المغرب لمقتضيات القانون رقم 40.04 المتعلق بدور الحضانة الخاصة، وللمرسوم التطبيقي رقم 2.08.678، الذي يحدد شروط الترخيص ومعايير السلامة والتأطير. غير أن التطبيق العملي يظل هشا وغير موحد، إذ تعمل العديد من الحضانات بدون تراخيص أو في فضاءات غير مؤهلة، مستفيدة من ضعف المراقبة وتعدد المتدخلين.

وتوضح المحامية بهيئة طنجة، نجيبة قسومي، أن وفاة الرضيعة تندرج قانونيا ضمن جريمة القتل غير العمد الناتج عن الإهمال أو قلة الاحتراز، كما تنص المادة 432 من القانون الجنائي. وأضافت أن المسؤولية تمتد إلى صاحبة الحضانة بصفتها المسؤول القانوني والمدني عن الأطفال الموجودين تحت رعايتها، طبقا للمادة 24 من القانون رقم 40.04 كما تم تعديله بالقانون 68.21.

وأكدت المحامية ضمن تصريح لجريدة “العمق المغربي”، أن الترخيص دون مراقبة هو ترخيص بالمخاطرة بحياة الأطفال، وهو ما يفرغ النصوص القانونية من مضمونها ويقوض مبدأ الحماية الوقائية.

وتسجل المحامية، أنه على الرغم من أن القوانين تلزم المؤسسات بربط علاقات تعاون مع أطباء مختصين وإجراء فحوصات دورية للأطفال والعاملين، إلا أن هذه الشروط غالبا ما تبقى حبرا على ورق بسبب محدودية المراقبين المحليين وتشتت الاختصاصات بين وزارات متعددة. موضحة أن المرسوم التطبيقي لا يحدد نسب التأطير أو المؤهلات الدنيا للعاملين بدقة، ما يجعل معايير الجودة والسلامة نسبية وغير موحدة.

وعلى المستوى الواقعي هناك حالة مزدوجة: حضانات مرخصة تلتزم بالحد الأدنى من الشروط، وأخرى غير قانونية تعمل داخل شقق سكنية في أحياء هامشية، تغيب عنها أبسط مقومات الأمن والسلامة. ويؤكد بوشتى أن الحل لا يمكن أن يكون زجريا فقط، بل يجب تبني مقاربة إدماجية عبر تأهيل هذه الحضانات وإدماجها تدريجيا في المنظومة الرسمية بدل إغلاقها دون بدائل.

ويزداد الوضع تعقيدا في ظل غياب قاعدة بيانات وطنية تمكن الأسر من معرفة وضعية المؤسسات القانونية، إذ يعتمد معظم الآباء على القرب الجغرافي أو السمعة دون التحقق من الوضع الإداري. كما تتحمل الأسر جزءا من المسؤولية حين لا تطلب وثائق الترخيص أو التأمين، ما يفتح الباب أمام مؤسسات عشوائية تشتغل في غياب تام للرقابة.

وتشكل مأساة طنجة مؤشرا على أزمة بنيوية تمس العلاقة بين القانون والعدالة الاجتماعية. فحين يُترك الطفل دون حماية حقيقية، تختبر إنسانية المجتمع ومصداقية الدولة في آن واحد.

وتؤكد المحامية بهيئة طنجة، نجيبة قسومي، أن حماية الطفولة لم تعد ترفا تشريعيا، بل ضرورة وطنية وأخلاقية تستوجب تحديث القوانين، رقمنة نظام التراخيص، وتفعيل المراقبة الميدانية المنتظمة، مسجلة في المقابل أن كرامة الطفل هي المعيار الأصدق لكرامة الوطن.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا