عرفت قضية الصحراء المغربية على عهد الملك محمد السادس تحولات دبلوماسية وسياسية عميقة، أعادت رسم ملامح النزاع وأعطت زخما جديدا لمكانة المغرب داخل المنتظم الدولي. فقد انتقل الملف من مرحلة الدفاع ورد الفعل إلى مرحلة المبادرة وصناعة الحلول، في إطار رؤية ملكية متبصرة تمزج بين الثبات في المبدأ والمرونة في الوسيلة، وتضع الشرعية الوطنية في انسجام مع الشرعية الدولية.
نمط جديد من التفاعل الدولي
في السنوات الأخيرة، تحولت مواقف دول وازنة مثل الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا وبلجيكا إلى دعم صريح للمقاربة المغربية، وهو تحول نوعي يعكس انتقال المجتمع الدولي من الحذر الدبلوماسي إلى الانخراط الإيجابي في دعم السيادة المغربية.
ويترجم هذا التحول ما سبق للملك أن أكده في خطاب ثورة الملك والشعب لسنة 2022، حين قال إن “ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”.
هذه الرؤية الملكية رسخت مبدأ أن الموقف من الصحراء أصبح معيارا لقياس جدية الشراكات الدولية، مما جعل دعم وحدة المغرب الترابية عنوانا للثقة السياسية والتعاون الاستراتيجي.
تؤكد المعطيات أن المجتمع الدولي تبنى نهجا أكثر واقعية وبراغماتية في تعامله مع ملف الصحراء. فالدول المؤثرة لم تعد تنظر إلى النزاع من زاوية المواجهة السياسية، بل من زاوية الشرعية والبناء والاستقرار الإقليمي.
وقد عزز هذا التحول مكانة المغرب كشريك موثوق في إفريقيا والساحل الأطلسي، بفضل سياسته الخارجية المتوازنة ومشاريعه التنموية في الأقاليم الجنوبية.
تراجع الاعترافات بالكيان الانفصالي
من أبرز المؤشرات على نجاح الدبلوماسية المغربية، الانخفاض الكبير في عدد الدول التي تعترف بالكيان الوهمي، حيث تقلصت من حوالي 70 دولة سنة 2000 إلى نحو 25 فقط في الوقت الراهن.
ويعكس هذا التراجع تآكل المصداقية السياسية للأطروحة الانفصالية، مقابل صعود المبادرة المغربية للحكم الذاتي كخيار وحيد يحظى بدعم دولي متزايد.
في هذا السياق، جاء خطاب الملك بمناسبة عيد العرش لسنة 2025 ليجدد التأكيد على التوجه الاستراتيجي للمملكة:
“إننا نعتز بالدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع حول الصحراء المغربية… وبقدر اعتزازنا بهذه المواقف، بقدر ما نؤكد حرصنا على إيجاد حل توافقي، لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف.”
هذا الخطاب يؤسس لرؤية تجمع بين الواقعية السياسية والالتزام بالحوار، ويكرس المغرب كطرف مسؤول يطرح حلولا قابلة للتطبيق، في مقابل أطروحات متجاوزة فقدت صلتها بالواقع.
تحولت المقاربة المغربية من الدفاع عن الموقف إلى إنتاج الحلول. فبدل الصراع السياسي، تبنت المملكة منطق البناء القائم على الشرعية والتنمية، في انسجام تام مع مقاصد الأمم المتحدة.
تجسد مداولات مجلس الأمن لسنة 2025 تتويجا لمسار طويل من العمل الملكي المتواصل. فالمغرب اليوم ليس فقط دولة تدافع عن وحدتها الترابية، بل قوة إقليمية تقود رؤية متكاملة للأمن والتنمية في إفريقيا.
لقد حولت الرؤية الملكية السامية قضية الصحراء من نزاع إقليمي إلى نموذج في الحكامة الدبلوماسية والتنمية المتوازنة.وكما أكد الملك في خطاب المسيرة الخضراء لسنة 2014: “المغرب سيظل في صحرائه، والصحراء في مغربها، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.”
المصدر:
العمق