كشفت مذكرة أصدرها الحزب الاشتراكي الموحد عن رؤية سياسية مفصلة لتجديد مقاربة الأحزاب الديمقراطية لقضية الصحراء، داعية إلى الانتقال من موقف عام ومتردد إلى رؤية منسجمة مع مشروع الحكم الذاتي والآفاق التي يفتحها. واقترح “تيار اليسار الجديد المتجدد” داخل الحزب إطارا مرجعيا عمليا يعالج اختلالات التمثيل والانغلاق واحتكار الدولة للقضية، بهدف تعزيز البرامج السياسية في الأقاليم الجنوبية.
وأكدت الوثيقة التي اطلعت عليها جريدة “العمق” أن تجديد تمثل الأحزاب لقضية الصحراء يستوجب مساءلة مدى انسجامها مع خيار الحكم الذاتي بعد أكثر من عقدين، مما يتطلب بناء مواقف حزبية جريئة ومستقلة. وأشار المصدر إلى أن الأحزاب ظلت داعنة لإكراهين تاريخيين، هما احتكار الدولة لتدبير الملف بدعوى الطابع السيادي، وما قابله من تردد وفوبيا سياسية وانغلاق ورقابة ذاتية داخل التنظيمات السياسية بالأقاليم الجنوبية. ولهذا، شددت المذكرة على ضرورة اعتبار قضية الصحراء مسألة وطنية وديمقراطية في آن واحد، ترتبط بأولوية دمقرطة الدولة والمجتمع وتعزيز الجبهة الداخلية.
وأوصى التيار في مذكرته بإعادة هيكلة التنظيمات الحزبية بالأقاليم الجنوبية بما يعكس الخصوصية الثقافية والاجتماعية للمنطقة، عبر الانفتاح على المواطنين ذوي الأصول الصحراوية وإدماجهم في الأجهزة التقريرية والتنفيذية. ودعا إلى إرساء جهوية حزبية فعالة عبر بناء فروع ولجان محلية في مختلف المناطق، وخلق شبكات للتنسيق بين الجهات الثلاث ومع جهة سوس ماسة كمحور استراتيجي، استعدادا لتشكيل مكاتب سياسية جهوية حقيقية كشكل استباقي لتنفيذ حكم ذاتي بالمنطقة.
وطالب المصدر بضرورة انفتاح البرامج السياسية على جبهة البوليساريو والأطر المدنية والسياسية الصحراوية المنتسبة لـ “خط الشهيد مصطفى الوالي السيد الركيبي” والتنسيقيات المناضلة. واعتبرت المذكرة، حسب ما ورد فيها، أن إيجاد صيغ وتحالفات تنظيمية بهدف دمقرطة الحياة السياسية بالصحراء وتجسيد انتقال حقيقي نحو الفعل السياسي الديمقراطي المشترك، هو تنسيق لا بد منه لاستكشاف صيغ الاندماج السياسي الممكنة وتجريبها في حقل الصراع السياسي لتشجيع الانتقال نحو العمل المؤسساتي كنقيض للآليات القائمة على الريع والفساد.
وأوضح المصدر أن العمل الحزبي بالأقاليم الجنوبية يقتضي مقاربة جديدة تراعي الخصوصيات الثقافية والتاريخية والديمغرافية للمنطقة، ويستوجب انفتاحا فعليا على الساكنة المحلية، ولاسيما الشباب والنساء. ورأت المذكرة أن الأولوية يجب أن تتجه نحو الدفاع عن المطالب الاجتماعية العادلة للساكنة، ودعم الحركات والتنسيقيات الصحراوية في قضايا الأرض والثروة والتنمية والمواطنة والحريات وحقوق الإنسان، وهو ما لن يتحقق دون تعزيز حضور الثقافة الحسانية والذاكرة النضالية بالمنطقة، والانفتاح على مختلف الفاعلين الصحراويين، بمن فيهم القادمون من تجربة البوليساريو.
ودعا التيار، وفقا للوثيقة، إلى تفعيل الدبلوماسية المدنية المغاربية والإفريقية، وتنظيم مبادرات حوارية حول الحكم الذاتي والنماذج المقارنة، بما يعزز دور الأحزاب في بناء الثقة والمساهمة في تصور مغاربي ديمقراطي يعالج النزاع بطريقة سلمية وبمنطق المصير المشترك. كما طالب بإصدار عفو عام وشامل عن كافة معتقلي الرأي ومختطفي الحراكات الاجتماعية السلمية والمعتقلين الصحراويين، معتبرا هذه الخطوة مدخلا أساسيا ومرحلة تأسيسية لمعالجة تركات الماضي وإعادة بناء الثقة.
وأكدت مذكرة “تيار اليسار الجديد المتجدد” أن المنطلق الحقوقي يمثل مفتاحا رئيسيا للمرحلة المقبلة، مشيرة إلى أن الإفراج الفوري عن كافة المعتقلين هو عنوان رئيسي لمرحلة جديدة قائمة على الثقة والمصالحة. وأوضح المصدر أن هذه الخطوة تهدف إلى تأسيس عدالة انتقالية حقيقية تقوم على جبر الضرر الجماعي وتحقيق تنمية منصفة ومندمجة، وتوسيع فضاء الحريات وبناء المجال السياسي عبر إطلاق شامل للحريات الفردية والجماعية ورفع القيود عن الحق في التنظيم والعمل السياسي والمدني.
وشددت الوثيقة ذاتها على أن الانتقال الديمقراطي يتطلب تصفية شاملة لملفات الانتهاكات الجسيمة الممتدة منذ عام 1956 إلى نهاية التسعينيات، بما في ذلك ملفات المقاومين ضحايا المنافي والتعسف الاستعماري. ودعت إلى إطلاق مسار وطني جديد للعدالة الانتقالية يغطي ما بعد عام 1999إلى اليوم، قائم على كشف الحقيقة والمحاسبة وجبر الضرر وضمانات عدم التكرار، عبر إصلاح جذري للأجهزة الأمنية والقضائية وربطها بسيادة القانون والرقابة البرلمانية والمجتمعية.
وأضاف المصدر أن المصالحة الوطنية لا يمكن أن تكتمل دون معالجة آثار التهميش والقمع الجماعي الذي طال عددا من المناطق كالحسيمة والحوز وسيدي إفني والأقاليم الجنوبية وكلميم وجرادة وزاكورة وغيرها. واعتبرت المذكرة أن ذلك يقتضي برنامجا وطنيا لجبر الضرر الجماعي والتنمية المندمجة لرفع الإقصاء التاريخي وإعادة توزيع الثروة والفرص، وفتح أفق جديد لاندماج هذه المناطق في مشروع وطني ديمقراطي وشامل.
وتابعت الوثيقة بالتأكيد على أن تنزيل الحكم الذاتي لا يمكن أن يتم إلا في بيئة سياسية سليمة وشفافة، يتحرر فيها الفعل السياسي من الولاءات الإدارية والزبونية الحزبية والعشائرية. وفي هذا السياق، اعتبر المصدر أن محاربة الفساد والاستبداد تشكل ركيزة أساسية لأي تحول ديمقراطي أو دستوري، داعيا إلى ربط كل إصلاح سياسي بمنظومة عدالة انتقالية جديدة تعيد الثقة في المؤسسات، ومأسسة ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتعزيز استقلال القضاء والإعلام والمجتمع المدني كركائز لمواجهة منظومة الفساد البنيوي.
المصدر:
العمق