شدّت تجربة المملكة المغربية في تدبير الوقف اهتمام المشاركين في المؤتمر العالمي الثالث عشر للوقف (GWC 2025)، الذي أُعطيت انطلاقته برحاب مؤسسة دار الحديث الحسنية التابعة لجامعة القرويين، اليوم الثلاثاء بالرباط، والمستمر إلى غاية بعد غد الخميس.
جاء ذلك إثر ما تطرّق له مسؤولون مغاربة خلال الجلسة الافتتاحية لهذا المؤتمر، حيث ركّزوا على مركزية مؤسسة الوقف في المجتمع المغربي، باستحضار مساهمتها في بناء مدارس ومستشفيات ومؤسسات أخرى تتصل بالصالح العام.
وأكد عبد الحميد عشاق، مدير مؤسسة دار الحديث الحسنية، أن “اختيار المملكة المغربية احتضان هذا المؤتمر يحمل دلالات عميقة؛ فالمغرب له رصيد عريق في نظام الوقف، إذ ظل مع مرور الوقت نموذجًا في الرؤية المتبصّرة التي توحّد ما بين الدين والعلم والتنمية”.
وأوضح عشاق، ضمن كلمته، أن “الوقف ما فتئ ينهض بمصالح المجتمع، دينًا ودنيا، يشيد المساجد والمدارس والمستشفيات، ويقيم الجوامع والزوايا ويؤسس المرافق التي تخدم ذوي الفاقة والحاجة وعابري السبيل”.
وشدّد المتحدث ذاته على أن “جامعة القرويين، باعتبارها أقدم جامعات العالم، قامت على وقفٍ خالصٍ ابتغاء وجه الله تعالى، وهي من جهة تؤدي رسالتها في نشر العلم، ومن جهة ثانية تخدم التراث”، وأردف: “التجربة المغربية في إدارة الأوقاف تقدم نموذجًا رائدًا في الجمع بين النص والاجتهاد، وبين قواعد الفقه وواجبات الوقف، ما يجعل هذا الأخير فاعلًا مؤثرًا في مسار التنمية الوطنية وشريكًا أصيلًا في صياغة السياسات العامة”.
وتابع مدير مؤسسة دار الحديث الحسنية: “منذ تأسيس جامعة القرويين بمدينة فاس عام 245هـ / 859م – وهي من أقدم الجامعات المستمرة في العالم – إلى تشييد المساجد والمدارس والزوايا والأوقاف المنتشرة في البلاد، يجسّد المغرب الإرث الحي للوقف كأداة حضارية للعلم والعطاء. وتُعدّ استضافة المؤتمر العالمي للوقف في الرباط تقديرًا لمكانة المغرب في ميدان العلم الشرعي، واعترافًا بنموذجه المتطور في إدارة الأوقاف”.
من جهته قال عبد الله الرشدي، المدير المساعد المكلّف بالدراسة والتكوين بالمؤسسة المذكورة، إن “هذه المؤسسة لها صلة كبيرة بموضوع هذا المؤتمر لأن الوقف يدخل ضمن اهتماماتها، باعتبارها مؤسسة بحثية وأكاديمية تُعنى بالبحث في العلوم الإسلامية”.
وأكد الرشدي، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “الغاية من تنظيم هذا النشاط هي الوقوف عند التجارب التي استجدّت في مجال تدبير الوقف وسبل تنميته، وهو مناسبة لاستعراض تجارب المشاركين وكذلك أبحاثهم التي أعدّوها في هذا المجال”، وذكر بالمناسبة أن “فعاليات المؤتمر العالمي للوقف، في نسخته الثالثة عشرة، ستعرف تنظيم ورشات تطبيقية سيشارك فيها عدد من الباحثين الذين قدموا من مؤسسات بحثية مختلفة عبر العالم”.
وخلال الجلسة الافتتاحية لهذا الحدث الذي يُنظم لأول مرة في بلد إفريقي توقّف أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، عند المنهجية المتبعة بالمغرب في تدبير الوقف منذ سنوات طوالٍ، مشدّدا على “ضرورة الثقة في مدبّري الوقف، باعتبار ذلك عماد الإقبال عليه من قبل المحسنين”.
ويقام هذا الحدث المرموق برعاية مؤسسة دار الحديث الحسنية التابعة لجامعة القرويين، وبالتعاون مع شركاء آخرين، من بينهم مؤسسة الإسلام الحضاري بالجامعة الوطنية الماليزية (UKM)، وسفارة دولة ماليزيا بالمغرب، فضلًا عن مؤسسة الوقف الماليزية (YMW)، والمجلس الدولي للعمل الوقفي (IWAKF)، وأخيرا المنتدى العالمي للزكاة والوقف.
وشهدت الجلسة الافتتاحية ذاتها عرض مداخلات مسجّلة لمحمد غزالي بن محمد نور، رئيس المؤتمر العالمي للوقف الأمين العام للمنتدى العالمي للزكاة والوقف ـ ماليزيا، إلى جانب محمد نعيم مختار، وزير الشؤون الدينية الماليزية.
ويعرف هذا المؤتمر حضورًا وازنًا للعلماء والباحثين من أقطار مختلفة، من بينهم القادمون من دول العمق الإفريقي، إلى جانب آخرين من مؤسسات علمية وازنة بماليزيا. ومن المرتقب أن يشارك هؤلاء في الأنشطة التي تتخلل فعاليات هذا المؤتمر، والتي ستتيح الفرصة للنقاش حول سبل تنمية مؤسسة الوقف بالعالم الإسلامي.
المصدر:
هسبريس