هبة بريس-عبد اللطيف بركة
رغم ما راكمه البرلمان من آليات رقابية، يبقى بعض الملفات الثقيلة خارج دائرة الحسم، ومن بينها ملف مقالع الرمال والرخام، الذي تحوّل من موضوع تقني مرتبط باستغلال الموارد الطبيعية إلى عنوان بارز لاقتصاد الريع وتداخل المصالح داخل المؤسسة التشريعية نفسها.
فقد أنجزت لجان موضوعاتية واستطلاعية تقارير دقيقة حول هذا القطاع، كشفت اختلالات بنيوية خطيرة، غير أن هذه التقارير انتهت إلى الرفوف، دون أن تجد طريقها إلى النقاش العمومي أو التفعيل المؤسساتي، ما أعاد طرح سؤال الإرادة السياسية في مواجهة لوبيات مستفيدة من الوضع القائم.
تشير المعطيات التي خلصت إليها اللجان البرلمانية إلى أن استغلال الرمال والرخام لا يخضع، في كثير من الحالات، لمنطق المنافسة الحرة أو الشفافية، بل يتم في إطار امتيازات غير معلنة، ورخص تُمنح في غياب شروط واضحة، ومراقبة محدودة، ما حوّل المقالع إلى أحد أبرز جيوب الريع بالمغرب.
ويؤكد التقرير أن الدولة تخسر سنوياً ما يفوق 900 مليون درهم من المداخيل المستحقة، بسبب التهرب من الأداءات، والتصريحات غير الدقيقة بالكميات المستغلة، وضعف آليات التتبع، وهو رقم يعكس كلفة اقتصادية ومالية باهظة تتحملها الخزينة العمومية دون مقابل تنموي حقيقي.
اللافت في هذا الملف، وفق خلاصات اللجان، هو وجود برلمانيين ومنتخبين يستفيدون بشكل مباشر أو غير مباشر من استغلال المقالع، إما عبر شركات مرتبطة بهم، أو من خلال شبكات نفوذ محلية، ما يضع المؤسسة التشريعية في وضعية حرجة، عنوانها تضارب المصالح بين الدور الرقابي والمصلحة الخاصة.
هذا المعطى، حسب متابعين، يفسر إلى حد كبير أسباب “إقبار” التقرير، وغياب الجرأة السياسية في فتح نقاش شفاف حوله، خصوصاً أن أي تفعيل لتوصياته سيصطدم مباشرة بلوبي داخلي أصبح يشكل حلقة ضغط داخل البرلمان وخارجه، هدفها حماية الامتيازات القائمة وتأجيل أي إصلاح جذري.
تكشف كواليس الملف أن قطاع المقالع لا يُدار فقط بمنطق اقتصادي، بل تحكمه شبكة مصالح متداخلة، تمتد من المستوى المحلي إلى المركزي، وتستفيد من هشاشة الإطار القانوني، وتعدد المتدخلين، وضعف التنسيق بين الإدارات المعنية.
ويرى خبراء أن استمرار هذا الوضع يُفرغ الخطاب الرسمي حول ربط المسؤولية بالمحاسبة من مضمونه، ويقوّض مبدأ تكافؤ الفرص، ويُبقي ثروات طبيعية استراتيجية خارج مسار التنمية المستدامة.
تجمع خلاصات التقرير البرلماني على أن إصلاح قطاع المقالع يمر عبر إرساء منظومة حكامة متكاملة، تقوم على الشفافية في منح الرخص، والمنافسة الحرة، وتعزيز المراقبة الميدانية، وربط الاستغلال بالتصريح الحقيقي بالكميات، مع تشديد العقوبات في حالات المخالفة.
غير أن تنزيل هذه التوصيات يظل رهيناً بكسر منطق الحماية السياسية، وفصل واضح بين السلطة التشريعية والمصالح الاقتصادية، حتى لا يتحول البرلمان من فضاء للمساءلة إلى مظلة لحماية الريع.
المصدر:
هبة بريس