يشكل تنظيم كأس إفريقيا للأمم بالمغرب أكثر من مجرد موعد رياضي قاري، إذ يتحول إلى فضاء رمزي مفتوح تلتقي فيه الشعوب الإفريقية على اختلاف لغاتها وثقافاتها ومرجعياتها الدينية، في لحظة جماعية تتجاوز حدود التنافس داخل الملاعب، نحو بناء جسور إنسانية أوسع، حيث يصبح التشجيع والاحتفال والاحتكاك اليومي أدوات غير مباشرة للتعارف والتقارب بين الهويات المتعددة للقارة.
وفي هذا السياق، تبرز إمكانية استثمار هذا الحدث القاري باعتباره فرصة حقيقية لإبراز قيم التعايش والتسامح والحوار بين الأديان والثقافات الإفريقية، ليس عبر الخطاب الرسمي فقط، بل من خلال الدينامية المجتمعية التي يخلقها حضور الجماهير، وتنقل الوفود، وتفاعل الشعوب في الفضاءات العامة، بما يفتح أفق التفكير في دور الرياضة كرافعة ناعمة لتعزيز الانسجام الثقافي وترسيخ وحدة إفريقية قائمة على التنوع والاحترام المتبادل.
قال زكرياء أكضيض، أستاذ علم الاجتماع، إن “كأس إفريقيا للأمم لا يمكن النظر إليها باعتبارها مجرد منافسة رياضية صرفة، بل هي فضاء رمزي وطقوسي تتقاطع داخله تمثلات وطقوس وممارسات مرتبطة بالتشجيع الرياضي؛ لكنها في العمق تمتلك جذورا ثقافية تعكس أنماطا متعددة من التعبير الاجتماعي داخل القارة الإفريقية”.
وأوضح أكضيض، في تصريح لهسبريس، أن “كأس إفريقيا، بما تحمله من تمثلات وطقوس جماعية، تشكل مناسبة لتعزيز الانتماء إلى هوية إفريقية مشتركة”، مبرزا أن “هذه الهوية ليست بسيطة أو أحادية؛ بل هي هوية إفريقية مركبة تستوعب تعددية ثقافية معينة، وتتيح إمكانية التعايش بين الاختلافات داخل إطار رمزي جامع”.
ومن منظور السوسيولوجيا الوظيفية، اعتبر أستاذ علم الاجتماع أن “كأس إفريقيا يمثل طقسا جماعيا قاريا يتميز بالدورية والانتظام والتكرار”، لافتا إلى أن “هذا الطقس من شأنه إنتاج الانتماء وتقويته وتعزيز الارتباط بهوية إفريقية مشتركة؛ لأن الطقوس الجماعية تعمل دائما على تقوية الهويات الجماعية وترسيخها”.
وأضاف المتحدث ذاته أن “كأس إفريقيا تشكل مناسبة لتوليد انفعالات واحتفالات مشتركة بين الشعوب الإفريقية”، موضحا أن “هذه الانفعالات والأحاسيس الجماعية تسهم في تشكيل وعي إفريقي عابر للحدود، وكأن الانتماءات القطرية تتراجع مؤقتا لننفتح على هوية أوسع تجمع مجتمعات إفريقية متعددة”.
وأشار إلى أن “كأس إفريقيا يمكن اعتبارها آلية لإدماج الأفراد داخل جماعة قارية أوسع”، مبرزا أنه “رغم الخلافات التي قد تقوم بين المجتمعات الإفريقية، فإن هذه المناسبة تساهم في تذويب هذه الخلافات؛ لأن ما يتم استحضاره خلالها هو المشترك الرمزي الذي تنتجه قواعد البطولة وممارساتها”.
وخلص زكرياء أكضيض إلى أن “كأس إفريقيا تمثل مناسبة تتحول فيها الرياضة إلى وظيفة إدماجية”، موضحا أن “المشجع أو الممارس الرياضي لا يحضر فقط من أجل التنافس أو التتويج باللقب القاري؛ بل يشارك أيضا، بشكل مباشر أو غير مباشر، في تعزيز انتمائه إلى القارة الإفريقية”، معتبرا أن “هذا الطقس الدوري يشكل آلية لإعادة الاندماج الاجتماعي وتعزيز التماسك الرمزي للمجتمعات الإفريقية”.
محسن اليرماني، باحث في العقيدة والفكر ومقارنة الأديان، قال إن “تنظيم المغرب لكأس الأمم الإفريقية يحظى باهتمام بالغ الأهمية من لدن المهتمين والباحثين والدارسين في مختلف حقول المعرفة”، مضيفا أن “المغرب بوابة العالم الإسلامي والعربي في اتجاه أوروبا وأمريكا الغربية من جهة وإفريقيا من جهة أخرى”.
وأكد اليرماني، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “المغرب أبان عن علو كعبه في مجال تنظيم التظاهرات الرياضية الدولية في نسخة كأس إفريقيا للأمم 2025، كما أن جمهور المغاربة أبهر عموم الزوار بحسن الضيافة وكرم الاستقبال، حيث ظهرت من خلالها قيم الشخصية المغربية الرفيعة في نبلها وتسامحها وتعايشها مع الغير”.
وأضاف الباحث في العقيدة والفكر ومقارنة الأديان: “لئن كانت الملاعب قد امتلأت بجموع المشجعين والمتابعين من مختلف دول العالم، خصوصا منها دول إفريقيا، حيث تجرى المقابلات في جو من التنافس المحتدم بين مختلف المنتخبات المشاركة”؛ إلا أنه وفي الجانب الآخر رأينا كيف تسنى لعموم زوار المملكة التعرف على أهم المعالم الثقافية والحضارية والدينية التي تشكل في مجموعها هوية المغاربة”.
وأكد اليرماني أنه “من خلال كأس إفريقيا للأمم، وعلى أرض المغرب بلد التسامح والتعايش، ظهرت معالم الحوار الديني الناعم بعيدا عن التعصب والتشدد، وملامح للتلاقح الفكري والحضاري الراقي والمتمدن بعيدا عن العنصرية المقيتة، وفضاءات لمد جسور التواصل والتعاون وتثمين قيم المشترك الإنساني”.
المصدر:
هسبريس