دَحَضَت قراءاتٌ قانونية وحقوقية مغايرة طروحاتِ عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، بشأن تجريم الإثراء غير المشروع، معتبرة أن “القول بتعارض هذا التجريم مع قرينة البراءة بشكل مطلق يظل طرحا اختزاليا يغطي النقاش من كافة جوانبه”، خصوصا أن “المغرب لديه محاولة سابقة يمكن تجويدها كي يظل عبء الإثبات الجوهري على عاتق النيابة العامة”.
وأكدت هذه القراءات أن “جوهر الإشكال لا يكمن في مبدأ التجريم في حد ذاته؛ بل في كيفية صياغته وضبط عناصره وشروط تطبيقه”، مبرزة أن المشرّع يملك هامشا تقديريّا واسعا لبلورة نص يوازن بين حماية المال العام وبين صون الحقوق والحريات؛ من خلال تحديد دقيق لمفهوم الإثراء غير المشروع، وربط المتابعة بقرائن قوية ومتماسكة”.
وانتقد عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، الثلاثاء، “الذكاء المغربي” الذي يروج بشدة وقوة للإثراء غير المشروع بصيغته الحالية، مع أنه “يفترض إدانة المواطن والطعن في براءته إلى أن يثبت العكس”.
وقال وهبي: “أكره الأشياء إلى قلبي هو موضوع الإثراء غير المشروع؛ لأن فيه نفاقا سياسيا وقانونيا”، معتبرا أن “من حق المواطن أن يملك ما يشاء ويمارس حياته بحرية”.
كما شدد الوزير الوصي على قطاع العدل على أن “مسؤولية الدولة تتمثل في تعقب المخالفين الحقيقيين وعدم التساهل معهم، وليس في تعميم الشبهة على الجميع”.
وتابع المسؤول الحكومي عينه: “دور الدولة أن تحمي المواطن في براءته وحريته، وليس اعتبار الجميع لصوصا. وأن نختار غدا شخصا، ونستدعيه قائلين: (تعال أنت، وقل لنا من أين اشتريت هذا ومن أين جاءت تلك؟)”.
قال عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بسطات، إن “التشريع في موضوع الإثراء غير المشروع ليس بالتبسيط الذي يعتمده وزير العدل في دفوعاته”.
واعتبر اليونسي، ضمن تصريح لجريدة هسبريس، أن “تقنين هذا الإثراء ملزم للمغرب، وكل تأخير ذلك هو فقط مناورة لن تجدي نفعا”، كما أن “ربط الموضوع بقرينة البراءة فله وجاهة موضوعية؛ ولكن واقعية التشريع تفرض البحث في مآله وغايته”.
وأشار الأستاذ الجامعي المتخصص في القانون الدستوري إلى أن هذا النص خارج مسطرة التشريع بعد سحب الحكومة لمشروع القانون المتعلق بالإثراء غير المشروع”.
وتابع المتحدث عينه: “عملية السحب وإن كان يكفلها النظام الداخلي لمجلس النواب فالأمر يطرح إشكالا عميقا من الناحية الأخلاقية والسياسية في طريقة تدبير مبدأ العقلنة البرلمانية بالمغرب، الذي تحول إلى آلية ترجح كفة الحكومة في كل مسار التشريع”.
ووضح الباحث الأكاديمي أنه “عند تقدير إقرار التشريع من عدمه يتضح أن تنظيم هذا الموضوع فيه إيجابيات تنسجم ومبادئ أخرى في الدستور، خصوصا ما ورد في الفصل 36 منه”، مبرزا أن “البحث في الثروة مجهولة المصدر تفرضه التزامات المغرب الدولية، خصوصا في العلاقة مع الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد”.
وأكد اليونسي أن “مؤتمر الأطراف لسنة 2021، الذي قدم فيه المغرب تقريره في إطار الاستعراض الدوري الشامل، فيه الإشارة إلى ضرورة التشريع في هذا الموضوع والأمر نفسه في العلاقة مع مجموعة العمل المالي التي تصنف الدول في لوائح يكون لها تأثير كبير في مصداقية الدول”، مسجلا أن “الآليات الإقليمية والوطنية أيضا في مراقبة حركية الأموال مهمة في هذا المجال”.
قال عبد الغني الراقي، عضو المكتب الوطني للجمعية المغربية لحماية المال العام، إن تجريم الإثراء غير المشروع لا يمسّ قرينة البراءة في حدّ ذاته، متى صيغ وطُبِّق في إطار ضمانات دقيقة، موضحا أن المطلب ليس نقل عبء الإثبات إلى المتهم بشكل مطلق أو غامض وإنما عدم ترك الشبهات القوية المرتبطة بتضخم الثروة دون مساءلة قانونية.
واعتبر الراقي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الجهة التي ستتولى صياغة النص تمتلك القدرة على تكييف هذا المقتضى بما ينسجم مع الغايات التي يتوافق عليها الجميع؛ وفي مقدمتها حماية المال العام ومحاربة الفساد.
وأبرز عضو المكتب الوطني للجمعية المغربية لحماية المال العام أن “الدفوعات التي يقدمها وزير العدل تنطوي على قدر من المعقولية؛ لكنها تظل تضليلية لأنها لا تستوعب النقاش من جميع جوانبه القانونية والفقهية”.
ودعا المصرح ذاته إلى “تنظيم مناظرة وطنية للإصغاء فيها إلى مختلف التوجهات والرؤى المطروحة في ساحة النقاش، والخروج بتوصيات تشكل أرضية مشتركة للتداول الهادئ والمسؤول حول هذا الموضوع”، معتبرا أن “الاختزال المفرط للنقاش في زاوية قرينة البراءة وحدها يُغفل تطور الفكر الجنائي المعاصر”.
وشدد الفاعل المدني عينه على “إمكانية اعتماد آليات استثنائية في الجرائم المرتبطة بالفساد المالي، شريطة احترام الضمانات الدستورية وحقوق الدفاع”.
وأكد الراقي أن “الرهان الحقيقي لا يكمن في رفض المبدأ؛ بل في حسن الصياغة التشريعية ودقة شروط التطبيق، بما يمنع التعسف ويضمن في الآن ذاته عدم إفلات الإثراء غير المشروع من المساءلة”.
المصدر:
هسبريس