آخر الأخبار

عاملات المنازل الأجنبيات في لبنان ـ سجينات "نظام الكفالة"

شارك
لبنان بيروت 2025، منظمة حقوق المرأة للمهاجراتصورة من: Diana Hodali/DW

كانت شارون تبلغ من العمر 21 عاما عندما وصلت من الكاميرون إلى لبنان في 24 أبريل 2024. كان لديها هدف بسيط: العمل وكسب المال وإعالة أسرتها. لكنها قالت لاحقا في مقطع فيديو جملة واحدة تلخص كل شيء: "كنت أعمل في أسرة سامة". لم يكن لديها أجر ولا عقد موثوق ولا حماية وكانت تشعر دائما أنه لا أحد يستطيع مساعدتها.

أول صاحب عمل لها جعلها تعمل ليوم واحد دون أجر. العائلة الثانية وظفتها لمدة أسبوعين لكنها دفعت 60 دولارا أمريكيا فقط إلى مكتب التوظيف ولم تحصل شارون على أي شيء من هذا المبلغ. في المنزل الثالث أصبح الاستغلال نظاما :

اعتبارا من مايو 2024 لم تكن تنظف الشقة فحسب، بل كانت تنظف أيضا مكتبين تابعين لصاحب عملها. لم تتلق أي أجر لمدة ثمانية أشهر. راتبها المتفق عليه: 200 دولار أمريكي. مبلغ ضئيل من منظور عالمي، لكنه أساسي بالنسبة لشارون. لكن أصحاب العمل يزعمون أنهم دفعوا 2000 دولار أمريكي لوكالة لتوظيفها كما لو أن هذا المبلغ يلغي حقها في الحصول على أجر.

حاجة إلى إصلاحات هيكلية ومساءلة حقيقية

بينما تواصل شارون العمل يتدهور جسدها. تقول إنها تعاني من آلام في الصدر ونزيف متكرر في الأنف. يصبح الطعام وسيلة للضغط عليها: عندما تقول إنها لا تريد مواصلة العمل يُحرمونها من وجبات الطعام .

تظهر الصورة موهانا إسحاق من منظمة "كفى"، وهي منظمة لحقوق المرأة في بيروت تعنى أيضا بحقوق العاملات المهاجراتصورة من: Diana Hodali/DW

لم يبدأ شيء في التحرك إلا بعد أن اتصلت بمنظمة (هذا لبنان This Is Lebanon). تعمل هذه المنظمة غير الربحية منذ عام 2017 على الدفاع عن حقوق العاملات المنزليات المهاجرات ولا تتردد في الكشف عن هوية الكفلاء علنا إذا لم ينجح أي شيء آخر. نجحت المنظمة في استرداد جزء من المال على الأقل. لكن المنظمة تقول إن هناك حاجة إلى إصلاحات هيكلية ومساءلة حقيقية.

ما تعانيه شارون ليس حالة فردية، بل جزء من نظام. كفالة هي الكلمة العربية التي تعني الضمان ونظام الكفالة يربط المهاجرين بضامنيهم. نظام الكفالة يجعل المهاجرات معتمدات قانونيا على أرباب عملهن.

وتتأثر بذلك بشكل خاص النساء من البلدان الأفريقية والآسيوية اللواتي يعملن في المنازل الخاصة. الخادمات المنزليات مستبعدات من قانون العمل ويفتقرن إلى الحماية الأساسية التي يوفرها قانون العمل. نظام الكفالة ينقل السلطة بشكل شبه كامل إلى جانب الكفلاء ويخلق ظروفا تسمح بالاستغلال وحتى العنف.

التنظيم الذاتي بدلا من الحماية الحكومية

تصف ميليسا كوامي نغيسان إبيفاني من نقابة ”الوحدة تصنع القوة UNION fait la force“ هذه الحقيقة بصراحة نابعة من تجربتها الشخصية ، فهي نفسها جاءت من ساحل العاج إلى لبنان قبل بضع سنوات: "نظام الكفالة له آثار سلبية هائلة على النساء المهاجرات. تتعرض الكثيرات منهن لمصادرة جوازات سفرهن وعدم دفع أجورهن أو عدم دفعها بالكامل وفقدان حريتهن تماما".

تأسست نقابتها في 12 أغسطس 2023 وفي 16 نوفمبر 2025 تم تقديم المنظمة رسميا. واليوم تضم النقابة 30 امرأة من عدة دول. تقول كوامي نغيسان إبيفاني: "لقد حققنا معا الكثير بالفعل". المساعدة في حالات العنف للأطفال والمرضى والمشردين. وتصف كيف تعمل المساعدة في كثير من الأحيان: ليس من خلال السلطات، بل من خلال الشبكات. عندما تكون امرأة في خطر يتم أولا إبلاغ مجتمعها ثم يتحرك الناس ويبلغون شبكة النقابة التي تنظم المساعدة .

إلى جانب المبادرات الدولية واللبنانية تلعب منظمة Egna Legna Besidet أيضا دورا مركزيا. فهي تدعم بشكل خاص النساء القادمات من البلدان الأفريقية، ولا سيما من إثيوبيا اللواتي يتعرضن لسوء المعاملة أو الاستغلال في لبنان.

"ما يحدث هنا في لبنان هو عبودية حديثة"

تقدم موهانا إسحاق، المحامية في منظمة "كفي" وجهة النظر القانونية. تأسست منظمة "كفى" في عام 2005 وهي منظمة لحقوق المرأة عملت في وقت مبكر على قضية العنف المنزلي وتتابع منذ عام 2010 بشكل مكثف قضية العاملات المنزليات المهاجرات. تصف إسحاق المبدأ الأساسي: يدفع الكفيل مبلغا من المال "لجلب" عاملة منزلية ويستمد من ذلك على ما يبدو حق ملكية. يختلف المبلغ المدفوع حسب البلد الأصلي، كما تؤثر معرفة اللغة الإنجليزية والتعليم والعنصرية في ذلك. لا يُسمح للنساء عادة بالعيش إلا مع الكفيل وغالبا دون غرفة خاصة بهن، فبعضهن ينام في المطبخ أو على الشرفة. بل إن بعضهن يُنقلن إلى منازل أخرى تابعة للعائلة أو يُستخدمن في شركات عادة دون أجر إضافي، كما هو الحال مع شارون.

من يغادر يخاطر بالتجريم. إذا غادر أحدهم الكفيل، يمكن أن يتم اعتقاله. ويواجه خطر الإبلاغ عنه بتهمة "خرق العقد". خلاصة إسحاق واضحة: "ما يحدث هنا في لبنان هو عبودية حديثة".

نظام ذو مصلحة اقتصادية

على الرغم من وجود خط ساخن تابع لوزارة العمل مخصص للعمال المنزليين المهاجرين إلا أنه لا يزال غير فعال في الممارسة العملية، حسب منظمتي "هذا لبنان" و "كفى" . غالبا ما تذهب الشكاوى أدراج الرياح وهي مجرد عرض رسمي دون عواقب. ولا يمكن التنبؤ بعد بما إذا كانت الحكومة الجديدة ستتناول هذه القضية بجدية.

على الرغم من الحملات التي قامت بها منظمات المهاجرات وجماعات حقوق الإنسان على مدى سنوات لم يتم إلغاء نظام الكفالة حتى الآن. أحد الأسباب الرئيسية لذلك هو أأهميته الاقتصادية: فوكالات التوظيف وحدها التي تواجه مرارا اتهامات بالاستغلال والعمل القسري والاتجار بالبشر تحقق أرباحا تبلغ حوالي 57.5 مليون دولار أمريكي سنويا. في عام 2022 نجحت هذه الوكالات في عرقلة إبرام عقد عمل موحد للعمال المنزليين المهاجرين. وأعلنت المحكمة الإدارية العليا أن العقد يضر بمصالح الوكالات دون النظر في التزامات حقوق الإنسان.

كفى، منظمة حقوق المرأة للمهاجراتصورة من: Diana Hodali/DW

المساعدة والضغط السياسي

لذلك تعمل منظمة "كفى" على مستويين: المساعدة المباشرة للمتضررين والضغط السياسي. يتعلق الأمر بالحماية والإيواء والدعم القانوني وفي الوقت نفسه بالضغط السياسي من أجل اللغة والمعايير والمسؤوليات. لكن إسحاق تصف أيضا حالة الجمود: لا يزال هناك نقص في الوعي بالمشكلة ويرى العديد من الكفلاء أنفسهم كمحرومين ويطالبون النساء بالامتنان.

وعلى الرغم من أن الدولة تحظر التمييز إلا أن هناك حمامات سباحة لا يُسمح فيها للخادمات بالسباحة لأسباب عنصرية أو لا يُسمح لهن بالدخول إليها أصلا. وقد شاهدت إسحاق مثل هذا الحظر على السباحة بأم عينيها. ما ترويه يتوافق مع ما يمكن رؤيته في الحياة اليومية: غالبا ما تجلس الخادمات المهاجرات في المطاعم على طاولات منفصلة.

أرقام تصف النظام

كما أن حجم المشكلة كبير. تقدر منظمة "كفى" أن عدد العمال المنزليين المهاجرين في لبنان قبل جائحة كورونا كان حوالي 250 ألف عامل. بعد الجائحة انخفض العدد إلى حوالي 60 ألف عامل ثم ارتفع مرة أخرى إلى حوالي 150 ألف عامل. وراء هذه الأرقام توجد قصص حياة مثل قصة شارون.

في فبراير 2025 تمكنت شارون من العودة إلى الكاميرون. غادرت لبنان. في البداية لم تتمكن من استرداد سوى 300 دولار أمريكي من الوسيط، حيث تبادل صاحب العمل والوكيل المسؤولية.

فقط عندما كان موقع "هذا لبنان" على وشك نشر القضية على الملأ، وافق الوسيط على التوصل إلى اتفاق على الأرجح لتجنب الدعاية السلبية. لم يكن استردادها لجزء من المبلغ بفضل الهياكل الحكومية، بل بفضل المنظمات والشبكات والضغط العام. أو كما تقول منظمة "هذا لبنان" عن قضيتها: لم يكن ينبغي أن تعتمد شارون على منشور محتمل على وسائل التواصل الاجتماعي لحماية حقوقها.

أعده للعربية: م.أ.م

DW المصدر: DW
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار