أقر مشروع القانون رقم 66.23 المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة قواعد جديدة للشفافية المالية والتعاقدية، من خلال إعادة ضبط العلاقة بين المحامي وموكله، ووضع آليات مؤسساتية موحدة لتدبير الأتعاب والودائع، في خطوة تروم إنهاء مظاهر الغموض التي وسمت هذا الجانب من الممارسة المهنية لسنوات.
وسعيا لتيسير ظروف عمل المحامين الشباب، أتاح المشروع أشكالا جديدة للممارسة تشمل “عقود الشراكة” بين محامين من هيئات مختلفة، و”عقود المساكنة”، وحتى التعاون مع مكاتب محاماة أجنبية بشروط صارمة تضمن احترام السيادة القانونية المغربية.
“التكليف المكتوب” أساس العلاقة المهنية
ولأول مرة في تاريخ التشريع المنظم لمهنة المحاماة بالمغرب، أقر مشروع القانون الذي حصلت جريدة “العمق المغربي” على نسخة منه، إلزامية اعتماد “تكليف مكتوب” يحدد إطار العلاقة بين المحامي وموكله، باعتباره وثيقة تعاقدية تؤطر الحقوق والالتزامات المتبادلة، ولا يقتصر دورها على الجانب الشكلي.
ويلزم المشروع أن يتضمن هذا التكليف معطيات دقيقة، تشمل الهوية الكاملة للمحامي والموكل، وموضوع النزاع أو المهمة المسندة، ومرحلة أو مراحل التقاضي المتفق بشأنها، سواء تعلق الأمر بالتقاضي الابتدائي أو الاستئنافي أو غيره، إضافة إلى كيفية أداء الأتعاب وشروطها، وأي اتفاقات إضافية يرتضيها الطرفان في إطار احترام القانون وأخلاقيات المهنة.
كما اعتبر النص التشريع الجديد الذي أفرجته الأمانة العامة للحكومة، أن إقرار الموكل أمام القضاء باسم المحامي الذي اختاره للترافع عنه، يعد تكليفاً قانونياً يُضمن في محضر رسمي، ويقوم مقام التكليف المكتوب، بما يضمن استمرارية الدفاع ويحسم في مشروعية التمثيل.
ضبط الأتعاب والحد من النزاعات
ويروم هذا المقتضى، بحسب المشروع الذي رفضته جميعة هيئات المحامين بالمغرب، الحد من النزاعات المتكررة المرتبطة بالأتعاب، وتعزيز الثقة بين المحامي والمتقاضي، عبر توثيق العلاقة منذ بدايتها، وضمان وضوح الالتزامات المالية، سواء تعلق الأمر بقيمة الأتعاب أو طريقة أدائها أو نطاقها الزمني.
ويمنح المشروع لهيئات المحامين صلاحية مراقبة احترام هذه القواعد، والتدخل عند الاقتضاء لفض الخلافات، في إطار مساطر مضبوطة، تحفظ حقوق الطرفين وتكرس مبدأ الشفافية.
وفي حال نشوب نزاع حول الأتعاب، يعزز المشروع دور النقيب ومجلس الهيئة في تسوية الخلافات، مع إقرار مساطر أكثر وضوحاً للبت في الطعون، بما يضمن توازناً بين حق المحامي في أجر عادل وحق الموكل في الشفافية والإنصاف.
كما يفرض النص مسك حساب مهني خاص تودع فيه المبالغ المتوصل بها لفائدة الزبناء أو المرتبطة بالملفات المعروضة، مع الفصل الواضح بين الأموال الخاصة بالمحامي وتلك العائدة للغير، بما يتيح تتبعاً أدق للتدفقات المالية المرتبطة بالممارسة المهنية.
وعلى المستوى المؤسساتي، نص مشروع القانون على إحداث “مجلس هيئات المحامين” كشخصية اعتبارية تتمتع بالاستقلال المالي، ليشكل الإطار التمثيلي الموحد للمهنة، والمخاطب الرسمي الوحيد أمام السلطات العمومية.
ومن بين الاختصاصات الأساسية التي أسندها المشروع لهذا المجلس، وضع نظام موحد لتدبير حساب ودائع وأداءات المحامين، وتحيينه كلما دعت الحاجة، بما يضمن توحيد الممارسات المالية داخل مختلف الهيئات، وتعزيز مراقبة الأموال المودعة لفائدة الموكلين.
كما خول المشروع للمجلس إحداث وإدارة مشاريع اجتماعية، وتعبئة الموارد اللازمة للإعانات والمعاشات لفائدة المحامين وذويهم، إلى جانب وضع مدونة وطنية للأخلاقيات المهنية، وتسطير التوجهات العامة للتكوين الأساسي والمستمر.
نظام موحد لتدبير الودائع
وفي ما يتعلق بتدبير أموال المتقاضين، يتجه المشروع إلى اعتماد مقاربة موحدة، تقوم على الفصل الصريح بين أموال المحامي وأموال الغير، وإخضاع ودائع المحامين لنظام ضبط ومراقبة مؤسساتي، بما يعزز حماية حقوق الموكلين، ويحد من الاختلالات المرتبطة بسوء التدبير المالي.
ويُنتظر أن يشكل هذا النظام إحدى الركائز الأساسية لتحديث المهنة، وربطها بمعايير الحكامة الجيدة، والملاءمة مع المتطلبات المتزايدة للشفافية المالية.
وفي سياق متصل، سعى مشروع القانون إلى تحديث شروط ممارسة المهنة، خاصة لفائدة المحامين الشباب، من خلال إتاحة أشكال جديدة للتنظيم المهني، تشمل عقود الشراكة بين محامين ينتمون إلى هيئات مختلفة، وعقود “المساكنة المهنية”، بما يسمح بتقاسم الموارد والخبرات.
كما فتح المشروع الباب أمام التعاون مع مكاتب محاماة أجنبية، وفق شروط صارمة، تراعي احترام القوانين الوطنية، وتحافظ على السيادة القانونية للمغرب، وتضمن عدم المساس باستقلال المهنة أو خصوصية النظام القضائي الوطني.
ويعكس هذا التوجه، بحسب وزارة العدل، إرادة تشريعية لتحديث مهنة المحاماة، وتعزيز شفافيتها، وتكريس الثقة في دورها كفاعل أساسي في منظومة العدالة، في انتظار ما ستسفر عنه مناقشته البرلمانية وردود فعل الجسم المهني.
وترى الحكومة أن هذه المقتضيات تندرج في سياق تحديث المهنة وملاءمتها مع المعايير الدولية، خاصة في ما يتعلق بمكافحة غسل الأموال وحماية الثقة في العدالة، بينما يعتبر مهنيون أن نجاح هذه الإصلاحات يظل رهينا بضمان استقلالية الهيئات المهنية وحسن تنزيل النصوص التنظيمية المرافقة
المصدر:
العمق