آخر الأخبار

الهشومي: حضور لفتيت في نهائي كأس العرب يؤكد أن كرة القدم بالمغرب أصبحت قضية دولة

شارك

اعتبر كمال الهشومي، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن كرة القدم لم تعد مجرد ممارسة رياضية أو تظاهرة احتفالية، بل أضحت أداة سيادية ورسالة سياسية صامتة توظفها الدول ضمن استراتيجياتها الدبلوماسية والرمزية، معتبرا أن حضور المسؤولين المغاربة في التظاهرات الرياضية إعلان غير مباشر بأن ملف كرة القدم أصبح قضية دولة.

وأوضح الهشومي أن حضور وزير الداخلية لنهائي كأس العرب، على غير المألوف في الأعراف الرياضية، يثير تساؤلات مشروعة تتجاوز منطق التشريف والبروتوكول إلى منطق الدلالة السياسية.

وأبرز الأستاذ الجامعي، في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية بموقع “فيسبوك”، أن العادة جرت أن يقتصر التمثيل الرسمي في مثل هذه المناسبات على رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم، وربما الوزير الوصي على القطاع، غير أن ظهور وزير الداخلية، باعتباره أحد أعمدة الدولة السيادية وأكثرها ارتباطا بتدبير الملفات الداخلية الحساسة، يفتح باب القراءة السياسية الهادئة، لا من باب الجزم، بل من زاوية الإشارة الذكية التي تتقنها الدول حين تفضل الرسائل الصامتة على التصريحات المباشرة.

وأكد أستاذ العلوم السياسية أن هذا الحضور لا يمكن فصله عن التحول العميق الذي عرفه موقع الرياضة، وكرة القدم تحديدا، داخل الاستراتيجية العامة للدولة المغربية، مشددا على أن الرياضة لم تعد مجالا تنافسيا أو ترفيهيا صرفا، بل تحولت إلى أداة من أدوات السيادة، تدار بمنطق الدولة لا بمنطق القطاع، وتستثمر ضمن ما يعرف في علم السياسة بالدبلوماسية الناعمة المعززة بأدوات الدولة الصلبة.

واعتبر أن المغرب، وهو يراكم إنجازاته الرياضية، لا يمارس فقط الإغراء الرمزي، بل يؤطر هذا الرأسمال الرمزي بأبعاد أمنية ودبلوماسية ومؤسساتية، بما يجعل الرياضة امتدادا للسياسة بوسائل أكثر قبولا وفعالية.

وفي هذا السياق، استحضر الهشومي محطات رياضية سابقة، من بينها مشاركة المغرب في مونديال قطر، وحضور مسؤولين سياديين رفيعي المستوى إلى جانب وزير الخارجية ورئيس الجامعة الملكية لكرة القدم في لحظات رياضية مفصلية، معتبرا أن ذلك شكل إعلانا غير مباشر بأن ملف كرة القدم أصبح قضية دولة.

وأضاف أن هذا المعنى يتعزز اليوم بحضور وزير الداخلية، المعروف بثقل مهامه وانشغاله بملفات استراتيجية، من قبيل الاستحقاقات الانتخابية، وبرامج التنمية الترابية، والهندسة المجالية الجديدة، والمساهمة في إعداد الأرضية التفاوضية حول الحكم الذاتي، مبرزا أن حضورا من هذا النوع لا يمكن فهمه باعتباره فراغا في الأجندة، بل اختيارا محسوبا، لأن في السياسة ما لا ينجز إلا خارج قاعات الاجتماعات الرسمية.

وأشار الهشومي إلى أن علم السياسة والعلاقات الدولية يعتبر الأحداث الرياضية الكبرى فضاءات موازية للدبلوماسية غير الرسمية، حيث تمرر الرسائل وتدبر التوترات بعيدا عن الأضواء، موضحا أن نهائي كأس العرب، في هذا الإطار، لا يظهر فقط كمباراة، بل كمنصة رمزية تسمح بالتواصل الهادئ، وتبادل الإشارات، وربما ترتيب بعض الملفات دون إعطائها الطابع الرسمي الذي قد يقيد هامش الحركة.

واعتبر أن طرح فرضية وجود لقاءات أو رسائل على الهامش يظل مشروعا في منطق التحليل السياسي، لا في منطق الاتهام أو الجزم.

كما ربط المتحدث هذا الحضور بالسياق الرقمي والإعلامي المتوتر، الذي شهد في الآونة الأخيرة نقاشات حول منصات وحسابات تهاجم المغرب ورموزه، وما رافق ذلك من قراءات سياسية متباينة، مشيرا إلى أن الدول الرصينة، في مثل هذه الحالات، تختار الرد عبر التموقع لا عبر البلاغات، وعبر الصورة لا عبر التصعيد.

وذهب إلى أن حضور وزير الداخلية يمكن قراءته كإشارة سيادية هادئة مفادها أن الدولة المغربية تراقب وتفهم وتتحرك حين يلزم، دون الحاجة إلى رفع الصوت أو توتير العلاقات.

وفي ما يخص العلاقة بين المغرب وقطر، اعتبر الهشومي أنها تظل علاقة مركبة، تدار بمنطق التوازن بين التعاون والاختلاف، دون قطيعة ودون اندماج كامل، موضحا أنها تضبط اليوم ضمن ما سماه “المنطقة الرمادية الذكية”، حيث تفضل البراغماتية على الانفعال، والتدبير الهادئ على المواجهة العلنية، مضيفا أن الحديث عن وجود تطورات تحضر بهدوء ينسجم مع منطق السياسة الواقعية التي تعتمدها الدول في إدارة علاقاتها المتشابكة.

وختم أستاذ القانون الدستوري تدوينته بالتأكيد على أن المغرب لم يفز فقط بكأس العرب، بل أكد مرة أخرى إدراكه العميق بأن الرياضة اليوم جزء من معادلة القوة، وأن السيادة الحديثة لا تمارس فقط عبر الحدود والمؤسسات، بل أيضا عبر المدرجات، والصور، واللحظات الرمزية المحسوبة. وخلص إلى أن حضور الدولة بكل ثقلها في مباراة نهائية يعني أن الأمر يتجاوز الفوز الرياضي إلى ترسيخ موقع وتأكيد رسالة، مفادها أن المغرب حين يلعب يفوز، وحين يدبر يتقدم بثبات.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا