عقدت أكاديمية المملكة المغربية، اليوم الجمعة، أول اجتماع للمجمع الأكاديمي، الذي يُعدّ الجهاز الرئيسي للأكاديمية، ويتولى تحديد استراتيجية عملها ودراسة البرامج والمشاريع والأنشطة العلمية التي يعرضها عليه مجلس تنسيق أعمال الأكاديمية، وفق مقتضيات القانون رقم 74.19 المتعلق بإعادة تنظيم وهيكلة هذه المؤسسة العلمية الوطنية.
شكّل هذا الاجتماع محطة تنظيمية بارزة، جرى خلالها عرض حصيلة إنجازات وأنشطة الأكاديمية بمختلف أجهزتها، بما في ذلك الإصدارات، والندوات الدولية، والحلقات والأيام الدراسية، إلى جانب اللقاءات العلمية والاحتفاليات الثقافية والفنية.
وبموازاة ذلك، انصبت نقاشات أعضاء المجمع الأكاديمي على التحضيرات المتعلقة بالدورة الحادية والخمسين للأكاديمية، المرتقب انعقادها خلال شهر أبريل من السنة المقبلة، التي اختير لها عنوان “الذكاء الاصطناعي والعلوم الإنسانية: نحو نظرية معرفية مشتركة بين الإنسان والخوارزميات”، إضافة إلى الدورة الثانية والخمسين سنة 2027.
وقال عبد الجليل لحجمري، أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، إن “أكاديمية المملكة عرفت مرحلتين مهمتين في معمار تطورها، هما مرحلة التأسيس ومرحلة التجديد والانفتاح”، مضيفا: “في هذه المرحلة الانتقالية عرفت الأكاديمية، بفعل التوجيهات الملكية السامية التي شرفني بها مولانا أمير المؤمنين عند تعييني في 15 ماي 2015، والتي التقت توجيهاته الكريمة في توجهين ساميين هما: تجديد هيكلة الأكاديمية بأجهزتها العلمية والإدارية والمالية، وارتباطها بالبناء الهوياتي المغربي وانفتاحها على مستجدات العصر وتقدمه”.
وأوضح لحجمري، في كلمته أمام أعضاء المجمع الأكاديمي، أن “مرحلة انتقال الأكاديمية من التأسيس إلى التفعيل شهدت، خلال عشر سنوات منذ عام 2015، تنزيل مسارين مهمين، هما تنزيل الهيكلة الجديدة لأجهزتها العلمية والإدارية بقانونها التنفيذي رقم 74.19 المتعلق بإعادة تنظيم أكاديمية المملكة المغربية، ومسار التوجه الهوياتي والانفتاح الحداثي في مرحلة التفعيل”.
وأهاب المتحدث ذاته بأعضاء الأكاديمية “الانخراط معنا في الارتقاء بإشعاع هذه المرحلة الانتقالية، وإنارة مسار هذه الانطلاقة الجديدة بإسهاماتهم، لتعزيز قواعد البناء المشع وطنيًا ودوليًا بما لهم من عطاء في مجالات تخصصاتهم ودائرة اهتماماتهم التي تضمنتها المادة الرابعة من نظام العضوية”.
كما سلط الضوء على حصيلة إنجازات وأنشطة أكاديمية المملكة المغربية، مسجلا أنه “استنادا إلى التوجيهات السامية لتعزيز مقومات الهوية الثقافية والحضارية والانفتاح على مستجدات العصر وتقدمه، وتفعيلا لمقومات الهوية المغربية التي تضمنها دستور 2011 بروافده ومكوناته، وتنزيلا لمهام الأكاديمية، التي تضطلع بمهمة الإسهام في تحقيق التقدم الفكري والعلمي والثقافي للمملكة المغربية باعتبارها مؤسسة وطنية علمية عليا، مضينا في مسار متكامل بين تنزيل أجهزة الهيكلة الجديدة ومهام الأكاديمية الثقافية، التي نختصرها نظرًا لغزارة منتجها الذي بلغ منذ انطلاقة المرحلة الانتقالية خلال عشر سنوات 538 نشاطا، منها 163 نشاطا في عام 2025 وحده”.
وتابع بأن “أنشطة وبرامج ومشاريع أكاديمية المملكة المغربية ارتكزت على مسلكين رئيسين؛ الأول اهتم بأصالة الذات التاريخية والفنية والثقافية ومقومات الهوية الحضارية المتجلية في دراسة التاريخ المغربي وتطوير مناهجه وحمايته والارتقاء بالوعي الفني والموسيقي المغربي”، مشيرا أيضا إلى “العمل على تعزيز المعرفة بتاريخ المغرب وتجلية الروابط التاريخية بين الأقاليم الجنوبية والدولة العلوية المجيدة”.
ولفت إلى أنه “تأكيدا لعمق الانتماء المغربي للأمة العربية والقضية الفلسطينية، وإبرازا للدور الرائد لرئيس لجنة القدس، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في حماية هوية القدس الشريف ودعم القضية الفلسطينية، نظمنا، بالتعاون مع وكالة بيت مال القدس الشريف، قراءة في كتاب: ‘جلالة الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس، الأمانة العظمى’، ولقاء لأطفال فلسطين لتعزيز انتمائهم لأرض فلسطين والارتقاء بوعيهم المتعايش السلمي”.
أما المسلك الثاني الذي ارتكزت عليه أنشطة أكاديمية المملكة، حسب المتحدث ذاته، فيتجلى في “التوجه الحداثي الانفتاحي لمعالجة قضايا العصر ومواجهة تحدياته”، مضيفا: “في هذا التوجه الحداثي لأنشطتنا كان همُّنا فك التوتر بين ثنائية الأصالة والحداثة، والشرق والغرب، والهوية والعالمية، والحكمة والشريعة، والأخلاق وعلوم العصر؛ إذ يشكل ذلك مركز انشغالنا الثقافي والفكري ومحور مساءلتنا القائلة: كيف نبقى أصلاء مع تراثنا وقيمنا دون أن يفلت منا تطور العصر، على قاعدة تمنحنا شروط البقاء فاعلين لا منفعلين مع حضارة العصر”.
وأكد أن “تنفيذ أنشطة الأكاديمية لم يكن من قبيل الترف الفكري أو الاستعراض الحداثي لها، بل كانت ترتكز في اختياراتها على أربعة أشكال من الوعي، تتمثل في الوعي بالمرجعيات المحددة للخصوصيات، وبالغايات المحددة للأهداف، وبالتحديات المحددة للمعيقات، وبالأولويات المحددة للاحتياجات، كما أنها كانت ترتكز، من حيث خصوصية بنائها، على الرؤية الشمولية التي تقارب مجالات متعددة فيها، والرؤية التكاملية التي تجمع بين أصالة الجذور واستشرافات العبور”.
وخلص عبد الجليل لحجمري إلى أن “هذه الأنشطة أسهمت بذلك في التخفيف من التوتر والصراع في ثنائية الهوية والعالمية، كما استعانت في تنفيذها بآليات وأساليب متنوعة، نذكر منها الدورات والندوات والمحاضرات، والموائد المستديرة، والورشات التكوينية، والاحتفاليات الفنية، والترجمات العلمية، والحلقات الدراسية، والاجتماعات العلمية، والأيام الدراسية”.
المصدر:
هسبريس