آخر الأخبار

تحولات الساحل والمنافسة الدولية تعيد رسم السياسة الخارجية في موريتانيا

شارك

يشهد المحيط الإقليمي للجمهورية الإسلامية الموريتانية تحولات عميقة ومعقدة على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية؛ مما يجعل من الضروري على نواكشوط إعادة رسم ملامح دبلوماسيتها وسياستها الخارجية وتكييفها مع التحولات الإقليمية والدولية، بما يضمن حماية مصالحها القومية واستقرارها الداخلي.

في هذا الصدد، وجه محمد سالم ولد مرزوك، وزير الخارجية والتعاون الإفريقي والموريتانيين في الخارج، مراسلة إلى الدبلوماسيين الموريتانيين في الإدارة المركزية بوزارة الخارجية وفي البعثات بالخارج، دعاهم من خلالها إلى المساهمة في إنجاز العقيدة الدبلوماسية للبلاد.

وجاء في المراسلة: “عملا بمبدأ إشراك كفاءات القطاع في كل ما من شأنه أن يساهم في تطوير سياستنا الخارجية، وفي إطار المسار الجاري لإعداد العقيدة الدبلوماسية التي نريد لها أن تشكل الإطار المعياري الذي تجسّد فيه بلادنا رؤيتها ومصالحها، وتستند إليه في ضمان انتظام توجهها واتساق سلوكها على الساحة الدولية، يُدعى كافة الدبلوماسيين، في الإدارة المركزية وفي بعثاتها بالخارج، إلى تقديم المقترحات التي يرون أنها جديرة بالإدراج في هذه الوثيقة المرجعية الهامة”.

وفي إطار هذا التحديث، توقع مهتمون بالشأن الإقليمي، تحدثوا لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن تحافظ نواكشوط على ما تسميه “الحياد الإيجابي” في قضية الصحراء المغربية، بما يمكنها من دعم المسار التفاوضي لإيجاد حل لهذا النزاع الإقليمي، والذي أطره القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي في مخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.

تحولات عميقة

قال أحمد ولد عبيد، نائب رئيس حزب “الصواب” الموريتاني، إن “توقيت تحديث العقيدة الدبلوماسية الموريتانية ليس تقنيا ولا روتينيا، بل يرتبط بجملة من التحولات العميقة؛ منها ما يحدث في الساحل من انهيار أطر التعاون التقليدية وتصاعد الحكم العسكري وتغير خرائط التحالفات في المنطقة، إلى جانب جمود الاتحاد المغاربي وتوتر المحاور مقابل صعود الدور الأطلسي وظهور تنافس جديد على الموانئ والطاقة والموارد”.

وأضاف ولد عبيد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذه التحولات تفرض على موريتانيا إعادة تعريف مفهوم الحياد والانتقال من سياسة تفادي المخاطر إلى سياسة إدارة المخاطر واستثمار الفرص”، مشيرا إلى أن “العقيدة الدبلوماسية القديمة صيغت في سياق كان يتسم بالهيمنة النسبية للغرب ووضوح مراكز القرار العالمي. أما اليوم فنحن أمام تنافس صيني–أمريكي ساخن وعودة روسيا إلى الساحة الدولية إلى جانب بروز قوى إقليمية صاعدة كتركيا ودول الخليج والهند، وكلها معطيات باتت تتطلب دبلوماسية براغماتية متعددة المسارات ووضوحا في المصالح قبل التحالفات”.

وتفاعلا مع سؤال حول موقع النزاع حول الصحراء في العقيدة والسياسة الخارجية الموريتانية في السنوات المقبلة، شدد الفاعل الحزبي ذاته على أن “هذا الملف ليس ملفا خارجيا عاديا بالنسبة لموريتانيا، بل هو ملف بنيوي يمس الأمن القومي والتوازن الإقليمي وأيضا صورة موريتانيا الدولية كدولة توازن واعتدال”، مضيفا: “هذه القضية تحتل دائما موقعا مركزيا ولكن غير صدامي في أجندة السياسة الخارجية، وملفا يُدار بمنطق التحكم في التداعيات لا بمنطق الحسم أو الانحياز”.

وأوضح المتحدث عينه أن “العقيدة الدبلوماسية الموريتانية التقليدية تعاملت معه كملف يجب ألا يُسمح له بإرباك الاستقرار الداخلي أو إدخال البلاد في محاور إقليمية مغلقة، حيث تبنت جميع الحكومات المتتالية الحياد الإيجابي”.

وشدد ولد عبيد على أن “التوقعات الواقعية ليست في تغيير مسار النزاع، بل في إدارة ذكية لتداعياته عبر تثبيت الحياد الإيجابي ودعم القرار الأممي بوضوح لا غموض، إلى جانب حماية المصالح الوطنية ودعم المسار الأممي دون لعب أدوار فوق الطاقة”.

موقف متوازن

اعتبر محمد عطيف، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة أبي شعيب الدكالي بالجديدة، أن “الحديث عن تحديث العقيدة الدبلوماسية لموريتانيا يندرج في سياق إقليمي ودولي شديد التعقيد تفرضه تحولات بنيوية في منطقة الساحل وتزايد تنافس القوى الدولية داخلها؛ فموريتانيا، بحكم موقعها الجغرافي الهش بين المغرب الكبير وإفريقيا جنوب الصحراء، تجد نفسها مطالبة بإعادة ضبط أدوات سياستها الخارجية بما يضمن حماية أمنها الداخلي وتفادي الانجرار إلى صراعات إقليمية مفتوحة”.

وتابع عطيف، في تصريح لهسبريس، أن “هذا التحديث لا يعكس بالضرورة رغبة في تغيير التوجهات الكبرى، بقدر ما يعبر عن سعي لتعزيز وضوح القرار الدبلوماسي وتحسين التنسيق بين الفاعلين المؤسساتيين في مواجهة تحديات أمنية عابرة للحدود”.

وأبرز الأستاذ الجامعي المتخصص في العلاقات الدولية أن “العقيدة الدبلوماسية الموريتانية تبدو محكومة بمنطق الوقاية والاستباق أكثر من منطق المبادرة السياسية”، لافتا إلى أن “التجربة المحدودة لآليات العمل الجماعي في الساحل، وما رافقها من أزمات داخلية وانسحابات متتالية، تدفع نواكشوط إلى تفضيل مقاربات مرنة تقوم على التعاون الثنائي والمتعدد حسب الظرف، دون الارتهان لأطر إقليمية مثقلة بالاختلالات”.

وشدد المتحدث عينه على أن “هناك حاجة موريتانية أيضا إلى تنويع الشركاء وتثبيت موقعها داخل سلاسل القيمة الإقليمية، خاصة في قطاعات الطاقة والمعادن والبنية التحتية؛ غير أن نجاح هذا التوجه يظل رهينا بقدرة الدولة على معالجة اختلالاتها الداخلية، بما يجعل السياسة الخارجية عاملا مساعدا لا محركا رئيسيا للتنمية. لذلك، فإن هذا التوجه يفتح مجالا لتقاطع المصالح الإقليمية، خصوصا في مشاريع الربط الإقليمي والتعاون جنوب–جنوب، دون أن يعني ذلك بالضرورة تقاربا سياسيا في جميع الملفات الحساسة”.

وفيما يخص قضية الصحراء المغربية، أكد عطيف أن “قرار مجلس الأمن رقم 2797، الذي أكد أن الحل الأكثر جدوى للنزاع هو الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، يشكل مرجعية دولية واضحة تدعم موقف المغرب. وفي إطار تحديث السياسة الخارجية الموريتانية، من المتوقع أن تتبنى نواكشوط موقفا متوازنا يحافظ على حيادها الاستراتيجي؛ ما يمكنها من الإسهام بشكل إيجابي في أية مفاوضات أو آليات حوار تماشيا مع مقتضيات قرار مجلس الأمن، بما يوفق بين مصالحها الوطنية واستقرارها الإقليمي، ويبرز قدرة الدبلوماسية الموريتانية على تعزيز موقع الدولة الاستراتيجي دون الانجرار إلى صراعات جانبية”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا