أكد سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة السابق، أن تنزيل مقترح الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية لا يمكن أن ينجح دون ترسيخ الجهوية المتقدمة وتقوية دور النخب والمؤسسات المنتخبة، معتبرا أن المصداقية الديمقراطية تشكل شرطا حاسما لإنجاح هذا الخيار الاستراتيجي الذي تبناه المغرب لحل نزاع الصحراء.
وأوضح العثماني أن الحكم الذاتي الحقيقي يفترض مؤسسات جهوية قوية وشفافة، قادرة على تدبير شؤونها بفعالية، في إطار السيادة الوطنية، مشددا على أن هذا الورش يندرج ضمن ما نص عليه دستور 2011، ويتطلب، عند مرحلة متقدمة، تعديلا دستوريا يؤطر الصلاحيات الجديدة ويمنحها الأساس القانوني اللازم.
جاء ذلك في مداخلة لسعد الدين العثماني في إطار فعاليات الملتقى الجهوي الخامس لشبيبة العدالة والتنمية بجهة فاس مكناس في موضوع “الوحدة الوطنية ورهان الاختيار الديمقراطي”.
وشدد رئيس الحكومة السابق على أن رهان الحكم الذاتي لا ينفصل عن رهان الإصلاح الديمقراطي، معتبرا أن تقوية المؤسسات المنتخبة، وإعادة الاعتبار للنخب الجهوية، يشكلان مدخلا أساسيا لإنجاح الجهوية المتقدمة وترسيخ مصداقية المقترح المغربي داخليا وخارجيا.
وفي هذا السياق، انتقد العثماني ما وصفه ب“الاختلال الخطير” الذي مس المؤسسات المنتخبة عقب انتخابات 2021، معتبرا أن إضعاف الفعل الانتخابي والنخب الجهوية يشكل عائقا مباشرا أمام إنجاح مشروع الجهوية المتقدمة، وبالتالي أمام تنزيل الحكم الذاتي كحل عملي وذي مصداقية للنزاع، وفق تعبيره.
وبالعودة إلى السياق العام للقضية، شدد العثماني على أن نزاع الصحراء لا يمكن فصله عن جذوره التاريخية، مؤكدا أنه نتاج لمخطط استعماري قديم استهدف تفتيت المغرب منذ القرن التاسع عشر، بسبب موقعه الاستراتيجي وامتداده التاريخي، مبرزا أن القوى الاستعمارية شرعت في تقاسم “المملكة الشريفة” عبر اتفاقيات دولية، من أبرزها مؤتمر برلين 1884–1885، ثم الاتفاق السري الموقع بين فرنسا وإسبانيا في 3 أكتوبر 1904 لتقاسم النفوذ داخل المغرب.
وأشار إلى أن هذا المسار الاستعماري هو الذي أفرز الوضع الحالي المرتبط بالصحراء، مؤكدا أن الحفاظ على الوحدة الوطنية والسيادة الترابية يظل “السقف” الذي يحمي الدولة والمجتمع، ومحذرا من مآلات التفكيك التي عرفتها دول أخرى بفعل النزاعات والانقسامات.
وفي ما يتعلق بالمسار الأممي، أوضح العثماني أن المغرب باشر المطالبة بتحرير أقاليمه الجنوبية مباشرة بعد الاستقلال، مذكرا بخطاب الملك محمد الخامس بمحاميد الغزلان سنة 1958، ومبرزا أن المملكة كانت أول من أحال ملف الصحراء على الأمم المتحدة، ما أدى إلى إدراجها ضمن لائحة المناطق غير المتمتعة بالحكم الذاتي.
وسجل أن قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 و1541 يشكلان مرجعية أساسية في هذا الملف، موضحا أن القرار الأول يمنع المساس بالوحدة الترابية للدول، بينما يقر الثاني بأن تقرير المصير لا يقتصر على الاستقلال، بل يمكن أن يتحقق عبر صيغ أخرى، من بينها الاندماج أو الحكم الذاتي.
وتوقف العثماني عند محطة الاتفاق الثلاثي بمدريد الذي أعقب المسيرة الخضراء، مشيرا إلى أن اعتراض الجزائر على هذا الاتفاق داخل الأمم المتحدة حال دون شطب الصحراء من لائحة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، وهو ما أدخل النزاع في مسار طويل داخل أروقة المنظمة الأممية.
وبخصوص مخطط الاستفتاء، أكد أن هذا الخيار بلغ طريقا مسدودا بسبب الخلافات العميقة حول تحديد الهيئة الناخبة وكثرة الطعون، وهو ما اعترف به الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره لسنة 2000، مبرزا أن هذا الفشل فتح الباب أمام البحث عن حلول سياسية بديلة.
وفي هذا الإطار، أوضح أن مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب سنة 2007 شكل تحولا استراتيجيا في التعاطي مع النزاع، مبرزا أن قرار مجلس الأمن الأخير عزز هذا التوجه، عندما نص بشكل واضح على أن المفاوضات يجب أن تتم على أساس مقترح الحكم الذاتي وفي إطار السيادة المغربية، مع تسجيل دعم متزايد من دول وازنة لهذا الخيار باعتباره حلا واقعيا وقابلا للتطبيق.
وشدد العثماني على أن الوحدة الوطنية تظل أولوية قصوى، باعتبارها السقف الذي يحمي الجميع، مؤكدا أن الحفاظ على سيادة الدولة واستقرارها شرط أساسي لتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، ومحذرا من أن الفوضى لا تخدم سوى القوى التي تستثمر في حالات عدم الاستقرار.
كما دعا إلى تفكيك الدعايات الانفصالية التي تسعى، حسب تعبيره، إلى ترسيخ أفكار مغلوطة وتحويلها إلى “ثقافة” متداولة، مشددا على ضرورة الوعي بالسياق المغربي الخاص، الذي يختلف عن تجارب التقسيم في المنطقة، وعلى رأسها تجربة اتفاقية سايكس–بيكو.
المصدر:
العمق