آخر الأخبار

"دركي المنافسة": الوسطاء والمستوردون يستأثرون بدعم الحبوب والمطاحن

شارك

كشف مجلس المنافسة، ضمن رأي أصدره حول السير التنافسي لسوق المطاحن بالمغرب، عن فوارق صارخة في توزيع الدعم العمومي الموجه للقمح اللين.

وأوضح المجلس، في رأيه عدد ر/25/2، أن البيانات أظهرت حصول المستوردين والوسطاء على نصيب كبير من الدعم مقارنة بالمنتجين المحليين والمطاحن؛ ما يطرح أسئلة حول حياد آليات الدعم وقدرتها على حماية الإنتاج الوطني.

وأضافت المؤسسة ذاتها أن المستوردين وحدهم حصلوا، خلال سنة 2022 مثلا، على أكثر من 9.3 مليارات درهم من مجموع تكلفة المقاصة، مقابل مبالغ أقل بكثير لباقي الفاعلين، مشددة على أن بعض الشركات قد تستفيد من الدعم بطريقة تمس بالمنافسة؛ كبيع منتجات بأسعار منخفضة بشكل اصطناعي لإقصاء منافسين محتملين، ما يعزز مواقع هيمنة داخل السوق، وهو ما يتعارض مع مبدأ “الحياد التنافسي” الذي تدافع عنه منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.

وأخضع “دركي المنافسة” سوق المطاحن لتشخيص غير مسبوق، كشف عن اختلالات عميقة، خصوصا داخل سلسلة قيم بدأت تعرف هشاشة متنامية رغم أهميتها الحيوية في الأمن الغذائي الوطني، حيث استند الرأي الجديد إلى أشهر من التحقيق وجمع المعطيات من فاعلين عموميين وخواص، ليضع أمام صناع القرار صورة مركبة لسوق تتجه نحو التركز، وتعاني فائضا ضخما في الطاقة الإنتاجية، ونظام دعم يشجع الوساطة أكثر ما يخدم الإنتاج المحلي، إضافة إلى ضعف في التنسيق والحكامة عبر مختلف حلقات سلسلة الحبوب.

ورصدت الوثيقة الجديدة اتجاه سوق المطاحن نحو التركز، حيث تتحكم مجموعات كبرى في حصص سوقية مهمة، خصوصا في القمح الصلب، حيث تستحوذ خمس مجموعات رئيسية على أكثر من 53 في المائة من السوق؛ بينها “أفريكا فيد أند فود”Africa Feed and Food بنسبة 18.60 في المائة، و”فورافريك”Forafric بـ13.73في المائة.

وأحدثت هذه الوضعية، حسب سلطة المنافسة، اختلالات تنافسية جوهرية، حيث تنشط بعض الوحدات في بيئات مواتية، مثل جهة الدار البيضاء–سطات، بينما تعاني جهات أخرى فائضا غير مستغل من الطاقة الإنتاجية، كما هو الحال في العيون–الساقية الحمراء وبني ملال–خنيفرة، وهو التفاوت الجهوي الذي يجعل المنافسة غير متكافئة ويؤثر على دينامية السوق الوطنية.

وأكد المجلس أن المطاحن المغربية تتوفر على طاقة إنتاجية تفوق بكثير حاجيات السوق الوطنية، موضحا أن هذا الفائض الذي ارتفع بشكل لافت خلال العقدين الأخيرين يخلق ضغطا على المقاولات الصغيرة والمتوسطة ويضعف قدرتها على المنافسة أمام المقاولات الكبرى ذات الاندماج العمودي والإمكانات التقنية والمالية القوية.

وأشار المصدر ذاته إلى أن معظم المطاحن تركز على منتجات تقليدية، مثل الدقيق الوطني للقمح اللين، في غياب تنويع للمنتجات أو الاستثمار في البحث والتطوير؛ مما يحد من الابتكار ومن جودة العروض.

اختلالات التخزين واعتماد على الاستيراد

أثار مجلس المنافسة، في الرأي الصادر عنه، عدم انسجام السياسات الفلاحية، التي اعتمدت منذ ثمانينيات القرن الماضي لضمان الأمن الغذائي، مع التحولات الاقتصادية والمناخية الراهنة، خصوصا بعد موجتي ارتفاع الأسعار في 2007 و2022، حيث أظهرت الأحداث هشاشة اعتمادية المغرب على الأسواق الدولية وتذبذب الإنتاج المحلي.

وشدد المجلس على استمرار ضعف التنسيق بين الفاعلين العموميين والخواص داخل سلسلة الحبوب، رغم الدور المحوري للمكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني في ضبط المخزونات والأسعار المرجعية؛ فيما انعكس هذا الضعف في الحكامة على الأداء التنافسي لسوق المطاحن، وحدّ من قدرة القطاع على التطور.

ولخصت سلطة المنافسة أبرز الإشكالات التي يعانيها سوق المطاحن بالمغرب في هيمنة بنية سوقية متركزة تحد من دخول فاعلين جدد، وفائض كبير في الطاقة الإنتاجية يؤدي إلى منافسة غير متوازنة بين الجهات، وضعف الحكامة داخل سلسلة الحبوب وقصور التنسيق بين المؤسسات، وكذا اعتماد متزايد على الأسواق الدولية نتيجة محدودية الإنتاج المحلي من القمح اللين والصلب، بالإضافة إلى نظام دعم غير فعال يستفيد منه الوسطاء أكثر من المنتجين والمستهلكين، وهشاشة الابتكار وضعف تنويع المنتجات داخل المطاحن.

وأوصى “دركي المنافسة” بتعزيز حكامة سلسلة الحبوب وإنشاء آليات تنسيق مؤسساتي منتظم بين القطاعات المعنية، وكذا إشراك المطاحن والمهنيين في وضع السياسات العمومية، بالإضافة إلى إعادة هيكلة سوق المطاحن، من خلال مراجعة رخص المطاحن وملاءمتها مع الحاجيات الحقيقية للسوق، وتحفيز الاندماجات الطوعية بين الوحدات الصغيرة لتعزيز تنافسيتها، زيادة إلى دعم الاستثمار في البحث والتطوير وتنويع المنتجات.

وامتدت التوصيات إلى إصلاح منظومة الدعم، عبر توجيه الدعم نحو المنتجين المحليين بدل الوسطاء، وإدماج الرقمنة لتتبع عمليات الدعم والحد من الريع، وكذا تقييم اقتصادي شامل لمدى جدوى منح دعم الاستيراد، ناهيك عن تطوير المنافسة الجهوية من خلال دعم الجهات ذات العجز في الاستغلال الإنتاجي، والاستثمار في البنيات اللوجستية والتخزينية بشكل متوازن بين الجهات.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا