أكد وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، يونس السكوري، أن معالجة أزمة البطالة في المغرب تبدأ من إصلاح منظومة التعليم، مشيرا إلى أن الحكومة تعمل على ربط برامج التكوين بسوق الشغل في إطار مقاربة جديدة تعتمد على الواقعية والتكامل بين برامج التأهيل والإدماج والتدرج المهني.
وأوضح السكوري، خلال عرضه لمشروع الميزانية الفرعية للوزارة أمام لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، أن تجميع البرامج الثلاثة، برنامج تأهيل وبرنامج “إدماج” وبرنامج “تكوين”، سيمكن من إدماج ما يقارب 300 ألف شاب وشابة في سوق الشغل، مؤكدا أن الحكومة تعمل في الوقت نفسه على معالجة إشكالية السن داخل منظومة التكوين المهني، من خلال مراجعة الشرط العمري الذي يحرم عددا من الراغبين في التعلم من الالتحاق بمراكز التكوين.
وأضاف أن الحد الأقصى البالغ 30 سنة لم يعد كافيا، لأن هناك فئة من الشباب تختار التوجه نحو التكوين المهني بعد تجارب أو دراسات جامعية، وقد يكونون في سن 35 أو 40 سنة، مشيرا إلى أنه سيقترح مرسوما جديدا لتوسيع الفئة العمرية المستفيدة حتى لا يحرم من يرغب في فرصة جديدة من متابعة تكوين مهني.
ولفت الوزير إلى أن العديد من الفتيات الحاصلات على شهادات عليا، خاصة خريجات مدارس الأعمال، تمكن من تحقيق نجاح لافت بعد الالتحاق ببرامج التدرج المهني، رغم أنهن حاصلات على “باك +5”، وهو ما يعكس مرونة هذه البرامج في فتح مسارات جديدة أمام مختلف الفئات.
إصلاحات تربط التعليم بالتشغيل
وأوضح السكوري أنه أجرى نقاشا معمقا مع وزير التربية الوطنية حول ظاهرة الهدر المدرسي، مبرزا أن معالجة البطالة تبدأ من التعليم، لأن سوق الشغل لا يمكنه امتصاص نحو 280 ألف شاب سنويا ما لم يصلح المنبع.
وأشار إلى أن فئة التلاميذ المنقطعين في السابعة والثامنة إعدادي تمثل معضلة حقيقية، لأنهم لا يجدون مسارا واضحا في منظومة التكوين الحالية، إذ إن برامج التأهيل موجهة لتلاميذ السادسة ابتدائي، بينما يتطلب مسار التخصص المهني الحصول على السنة التاسعة، ما يجعلهم في “منزلة بين منزلتين”.
وقال السكوري: “نحن لا نبحث عن حلول تجميلية، بل عن إصلاحات عملية تربط التعليم بالتكوين وسوق الشغل. معالجة أزمة البطالة تبدأ من المدرسة، وتنتهي في المقاولة، عبر مسار متكامل يضمن للشباب المغربي مستقبلا كريما ومنتجا في وطنه”.
وكشف أن الوزارة اقترحت مع وزارة التربية الوطنية إعداد إصلاح مشترك قبل نهاية السنة لإعادة إدماج هذه الفئة، عبر تعديل النصوص القانونية والمراسيم المعمول بها، مؤكدا أن “هذه القضية جوهرية في حياة الشباب المغاربة، لأنها تتعلق بتوفير مسار واضح لمن هم خارج المنظومة المدرسية”.
إصلاحات مالية وهيكلية في برنامج تأهيل
وفي ما يخص برنامج تأهيل، أوضح السكوري أنه يهدف إلى توفير تكوين قصير الأمد يربط مباشرة بين مراكز التكوين والمقاولات، بحيث يعد التكوين حسب حاجيات الشركات. غير أن النسخة السابقة من البرنامج كانت موجهة فقط لحاملي الشهادات، فتم فتحه الآن أمام الشباب غير الحاصلين على شهادات، بما فيهم ذوو مستوى البكالوريا أو أقل.
وأشار الوزير إلى أن الإصلاحات شملت ثلاث خطوات أساسية بداية بتوسيع الاستفادة لتشمل غير الحاصلين على شهادات وإحداث منحة دعم يومية قدرها 50 درهما للمستفيدين لتغطية مصاريف التنقل والمعيشة، بما يعادل نحو 1000 درهم شهريا وتغيير نظام الأداء للمقاولات باعتماد مبدأ الأداء حسب النتائج، إذ لم تعد المقاولة تتوصل إلا بـ50% من الدعم عند تنفيذ التكوين، بينما تصرف النسبة المتبقية بعد إدماج المستفيدين فعليا في العمل.
كما أشار السكوري إلى أن الحكومة قررت تحمل تكاليف الشواهد التكميلية في اللغات والمعلوميات والتقنيات، لتخفيف العبء عن الشباب وضمان تكوين شامل دون كلفة إضافية.
تفعيل التدرج المهني وإنقاذ الحرف التقليدية
وفي حديثه عن برنامج التدرج المهني، أوضح السكوري أن الوزارة وقعت اتفاقيات مع عدة قطاعات وزارية، من بينها الصناعة التقليدية، التي خصص لها البرنامج 30 ألف متدرب سنويا، أي 60 ألف خلال سنتين، بهدف إنقاذ عدد من الحرف المهددة بالاندثار.
وأشار إلى أن تعويض الأساتذة الحرفيين ارتفع من 250 إلى 300 درهم شهريا عن كل متدرب، كما تم تخصيص 5000 درهم سنويا لكل متدرب للمراكز التابعة للتعاون الوطني، للمساهمة في تمويل المعدات والوسائل البيداغوجية.
وأوضح الوزير أنه بعد زيارات ميدانية قام بها إلى مراكز التكوين، لاحظ أن عددا من المستفيدات يأتين من مناطق قروية بعيدة ويتحملن تكاليف تنقل يومية مرتفعة، مشيرا إلى أن التفاعل بين المراكز والمقاولات المجاورة ما زال محدودا رغم وجود فرص شراكة حقيقية، خصوصا في مجالات مثل الخياطة والطبخ، التي تعرف خصاصا كبيرا في اليد العاملة المؤهلة.
وأكد السكوري أن الوزارة أطلقت، بتنسيق مع الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات (أنابيك)، عملية استكشاف واسعة لمعرفة المقاولات الجاهزة للشراكة، وأسفرت عن تسجيل 12 ألف مقاولة وخلق 39 ألف منصب شغل محتمل في مختلف الجهات، مشيرا إلى أن هذه المناصب لا تتعلق بالتدرج المهني فقط، بل تشمل فرص شغل عادية في عدة قطاعات.
وأضاف أن الحكومة تعمل على تشجيع المقاولات على الانخراط في برامج الإدماج بعد التكوين، لأن نجاح البرنامج يقاس بعدد المقاولات المشاركة فيه أكثر مما يقاس بعدد مراكز التكوين.
وفي جانب آخر، أبرز الوزير أن برنامج الإدماج عرف إدخال تعديل مهم يتمثل في فتح الباب أمام حاملي الشهادات العليا، ما لقي إقبالا كبيرا من طرف المقاولات، وأوضح أن ثلث المناصب من أصل 39 ألفا خصصت لهذه الفئة، بعد أن أبدت الشركات رغبتها في استقطابها نظرا لمهاراتها وخبرتها.
وختم السكوري بالتأكيد على أن الإصلاحات الجارية في برامج التكوين والإدماج ستجعلها أكثر نجاعة وارتباطا فعليا بحاجات الاقتصاد الوطني، مشيرا إلى أن الوزارة تشتغل في إطار رؤية متكاملة تشمل محورين رئيسيين، التدرج المهني القائم على الشراكة الميدانية مع القطاعات والإدماج عبر المقاولات من خلال برامج واقعية تضمن تكوينا مؤهلا وفرص عمل لائقة.
المصدر:
العمق