في إشارة إلى وجود “تعثرات قوية” تمنى وزير العدل عبد اللطيف وهبي أن تسلك مدوَّنة الأسرة مسطرتها التشريعية قريبا، مؤكدا أن هذا النص يعرف في الظرفية الراهنة “نقاشات كثيرة”، وسط “اتهامات مباشرة” لوزير العدل بكونه “يمنح امتيازات كبيرة لصالح المرأة بموجب النص، ويبحث عن مستويات مثالية مطلقة لا وجود لها في الواقع”.
وقال وهبي، خلال تقديم مشروع الميزانية الفرعية لوزارة العدل برسم السنة المالية 2026 أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان والحريات بمجلس النواب: “سمعت هذه الانتقادات مباشرة وقِيلت لي”، مع أن “النقاش حول المدونة تشارك فيه مؤسسات عدة بالنظر إلى جوانبه الكثيرة، منها القانوني والمدني”، وكذا “المجال الديني الذي تؤطره المؤسسة الملكية”.
وتطرق وزير العدل إلى مشروع تعديل القانون الجنائي، مؤكداً أنه “مجالٌ مليء بالإشكالات أيضا، لكونه يحتوي على نصوص ترتبط بالدين، وبحياة الإنسان، وله منظومة قانونية قائمة”، وتابع: “رغم أنني حداثيّ، وأساند النفس التقدمي داخل الجهاز التنفيذي، فإن الحكومة ليست حداثية بالكامل؛ فهي تضم صوت الحداثيين والمحافظين على حد سواء”.
ومضى الوزير شارحاً: “حزب الاستقلال مثلًا ليس محافظاً بالدرجة نفسها التي عليها حزب العدالة والتنمية، لكنه محافظ إلى حدٍّ ما، وعلينا القبول به كمكون داخل الأغلبية”، مورداً أن “ما نتقبّله في كثير من الأحيان يكون له تأثير في التشريع الذي سنقدّمه، ومن ثمّ لن أضع قوانين لمجرد التميّز أو لأنني متحرر، وأفعل ما أريد، فهذا مستحيل، وإلا فلن نصل إلى أي نتيجة”.
وشدد المتحدث ذاته على أن “الاختيارات السياسية تنعكس على التشريع فتثير نقاشات كثيرة”، وزاد: “أحاول قدر الإمكان أن أجد نوعاً من التوازن، لأنني عندما أذهب إلى البرلمان يظهر النقاش الذي كان في الحكومة من جديد”، مردفا: “يظهر من خلال المناقشة التي يتولاها النواب، الذين يمثّلون أحزاباً سياسية تجرّ معها عقائدها السياسية المختلفة، وجود النقاش نفسه الذي كان داخل الحكومة”.
وواصل وهبي: “النقاشات التي تجري في البرلمان تجعلنا نعيد النظر في مجموعة من الأمور، فنعود بها إلى الحكومة، وإلى رئيس الحكومة باعتباره المسؤول السياسي عنها، أو إلى الأمانة العامة للحكومة بوصفها الجهة الساهرة على خلق التوازن داخل النظام القانوني الوطني”، مشيرا إلى “العودة كذلك إلى الهيئات المعنية، حتى نتمكن من تمرير قانونٍ متوازن”.
واعتبر وزير العدل أن “هذا العمل رغم كونه متعبا جميل وممتع، لأنه يمنحك فهماً أعمق لطبيعة الثقافة الوطنية في مجال القانون، فهي مزيج من الحداثة والمحافظة وما بينهما؛ ولذلك ثمة جهات تدفع بضرورة الكف عن العمل ببعض المقتضيات القانونية تجهيزاً لاستضافة كأس العالم 2030، فتتدخل جهة أخرى بردّ مفاده أن هذه دولة تحمل معها تاريخا طويلاً أهم من ذلك”.
وأكد المتحدث ذاته على دور المعارضة، وقال: “إنها لا تعارض لمجرد المعارضة، بل لأنها تملك قناعاتها الخاصة. الجميع يدافع عن وجهة نظره”، معتبرا أنه “رغم الخلافات القائمة يوجد نوع من الحس الوطني والشعور بالمسؤولية”، واسترسل: “حتى على مستوى العالم العربي والإسلامي يسجلون دائما جودة وحيوية السجال الموجود في المغرب، حتى بات نموذجاً في أحيان كثيرة”.
وأرجع الوزير هذا “الانبهار” إلى “عراقة النموذج السياسي المغربي وتجذر التقاليد السياسية في الشأن العمومي منذ نشأة الأحزاب المغربية في الثلاثينيات والأربعينيات”، مسجلا أن “بعض هذه البلدان صار لديها فعل حزبي وتأسست منظمات حزبية بعد ثورات الخريف الديمقراطي والغضب الشعبي الذي تفجر فيه منذ سنة 2011″، وتابع: “هذه الصورة قد تكون مخيفة وإيجابية في الوقت نفسه؛ تخيف لأنها تُظهر شدّة النقاش لدينا بالنسبة لبلدان بعيدة، وإيجابية لكونها تعبّر عن حيوية سياسية حقيقية”.
المصدر:
هسبريس