بعد الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب، دعا الرئيس الفرنسي شركات بلاده إلى تعزيز استثماراتها في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية.
وتأتي هذه الدعوة في سياق رغبة فرنسا في استعادة موقعها الاقتصادي الاستراتيجي في القارة الإفريقية، خاصة في ظل التراجع الواضح لنفوذها في العديد من الدول الأفريقية، خاصة وأن الأخيرة شهدت مواقف متزايدة برفض التواجد الفرنسي، ما دفع العديد من الشركات الفرنسية إلى سحب استثماراتها من أسواق رئيسية في القارة.
وتشكل الاستثمارات الفرنسية في الأقاليم الجنوبية للمغرب حسب مراقبين فرصة سانحة أمام باريس لتعزيز علاقاتها مع الرباط، الذي يعد بوابة رئيسية للأسواق الأفريقية. فمن خلال هذه الشراكة، يمكن لفرنسا الاستفادة من موقع المغرب الاستراتيجي وعلاقاته المتينة مع مختلف الدول الأفريقية لإعادة التواجد الاقتصادي في المنطقة، تحت مبدأ “رابح-رابح” الذي يحقق منافع مشتركة للطرفين.
المحلل الاقتصادي، رشيد ساري، أكد أن هناك فرصًا استثمارية واعدة تنتظر المستثمرين في الأقاليم الجنوبية للمغرب، مشيرًا إلى أن المشروع التنموي الطموح لهذه المناطق قد أُنجز بنسبة تتجاوز 80٪ بميزانية تقدر بنحو 100 مليار درهم.
وأضاف أن هذا المشروع مكّن من تراكم بنية تحتية متطورة تشمل موانئ صغيرة، وشبكة طرق حديثة، وسدود جديدة، إلى جانب مشاريع كبرى مثل ميناء الداخلة الأطلسي، الذي ما زال قيد الإنجاز.
وأوضح أن المنطقة تشهد حاليًا طفرة في قطاع الطاقات المتجددة، حيث يجري تطوير مشاريع ضخمة مثل مشروع “هرماتان” الذي يتجاوز استثماره 2.5 مليار دولار.
وأشار المتحدث إلى أن مجالات أخرى مثل الطاقات الريحية والهيدروجين الأخضر باتت تشكل فرصًا استثمارية مهمة، داعيًا فرنسا إلى استغلال هذه الفرص الواعدة لتعزيز استثماراتها، كون أن تنوع الصناعات في المنطقة ووجود قطاعات سياحية قادرة على جذب الاستثمارات يجعلها وجهة استثمارية مثالية لفرنسا، خاصة في ظل ما تقدمه من إمكانيات لتحقيق مكاسب مشتركة.
وفيما يتعلق بالعلاقات الخارجية، لفت ساري إلى وجود مشاريع استراتيجية مثل خط أنبوب الغاز النيجيري المغربي، ومشاريع تنموية أخرى في منطقة الساحل، مما يُتيح فرصًا إضافية أمام فرنسا للاستثمار فيها.
وشدد المحلل الاقتصادي، على أن هذه المشاريع تعتمد على مبدأ “رابح-رابح” الذي يحقق قيمة مضافة مشتركة، حيث ستسمح لفرنسا بإعادة تواجدها في العمق الإفريقي واستعادة بعض الأسواق التي فقدتها مؤخرًا نتيجة تراكم عوامل مختلفة، أولها غياب التعاون المتكافئ في العلاقات السابقة بين فرنسا وأفريقيا.
وأكد ساري أن فرنسا مدعوة اليوم إلى انتهاج مقاربة جديدة ترتكز على مبدأ “رابح-رابح” مع المغرب وأفريقيا، مضيفًا أن المغرب يسير بخطى ثابتة في مشاريعه التنموية سواء بوجود فرنسا أو بشراكات أخرى، مسجلا حاجة باريس إلى إعادة النظر في طبيعة علاقاتها الاستثمارية مع المغرب لتمكين الطرفين من تحقيق منفعة متبادلة.
وحسب المصدر ذاته فإن العلاقات الاقتصادية بين البلدين تعكس فائدة مشتركة، خاصة وأن قيمة الفائض التجاري بلغت لصالح المغرب حوالي 687 مليون دولار في عام 2023، مما يعزز المكاسب الثنائية.
ختاما، أشار ساري إلى أن الاستثمارات الفرنسية في الأقاليم الجنوبية المغربية قد تسهم في تطوير قطاعات حيوية أخرى، كقطاع السيارات والثروات المعدنية والبحرية، ليتم استغلالها بشكل أكثر فاعلية.
واعتبر أن فرنسا يمكنها الاستفادة من موقع المغرب الاستراتيجي وعلاقاته المتينة مع الدول الأفريقية، مما يمكّنها من تعزيز تواجدها الاستثماري في القارة وإعادة الاندماج في أسواقها.
جدير بالذكر أن كل من الملك محمد السادس، والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وقعا خلال زيارة 22 اتفاقية بلغت قيمتها نحو 10 مليارات يورو، وفق ما أعلن عنه البلدين.