مع اقتراب نهاية كل سنة يجد عدد من المغاربة أنفسهم وجهاً لوجه أمام حصيلة ثقيلة من الأحلام المؤجلة والوعود غير المنجزة، إذ تتحول هذه المناسبة بالنسبة إليهم إلى محطة محاسبة قاسية للذات، تتقاطع فيها الضغوط الاجتماعية مع الإخفاقات الشخصية، وتتصاعد معها مشاعر الإحباط والتوتر والانسحاب، وهو ما يطرح تساؤلات عميقة حول ما يخلّفه الإحساس بتوقف الحياة، رغم مرور الوقت، على التوازن النفسي للفرد.
في هذا السياق أكد مهتمون تحدثوا لجريدة هسبريس الإلكترونية أن جلد الذات وسوء تدبير الحوار الداخلي يفرزان تداعيات سلبية على التكوين النفسي للفرد، وعلى سلوكه الاجتماعي وصحته النفسية، مبرزين أن كسر هذه الدائرة يمر عبر نشر ثقافة الصحة النفسية، وتبني أهداف واقعية، والاعتراف بقيمة الإنجازات الصغيرة كمدخل أساسي لاستعادة التوازن وبناء الأمل في المستقبل.
بهذا الخصوص قال محمد حبيب، أخصائي اجتماعي وباحث في علم النفس، إن “نهاية السنة موعد يقوم فيه الإنسان بمراجعة الذات وتقييم مسار الحياة المرتبط أساساً بالزمن، فهذه المناسبة تكون فرصة للبعض للمراجعة الطموحة والمشروعة للحياة الشخصية، غير أن هذا الأمر قد تكون له آثار سلبية من خلال جلد الذات والوصول إلى مرحلة الاكتئاب والإحباط والحزن بسبب عدم النجاح في الوصول إلى مبتغى من المبتغيات”.
وأضاف حبيب، في تصريح لهسبريس، أن “الإشكال الحقيقي هو كيفية التعامل مع هذا الحوار الداخلي مع الذات، وتفادي أن يؤثر على الصحة النفسية للفرد والمجتمع ككل، لأن كل فرد هو جزء لا يتجزأ من الجماعة التي يعيش وسطها”، مشيراً في هذا الصدد إلى أن “الإحصائيات تؤكد أن هناك نسبة مهمة من المغاربة يعانون من الاكتئاب والقلق والتوتر واضطرابات نفسية”.
وتابع المتحدث ذاته بأن “التمادي في جلد الذات يفرز مجموعة من السلوكيات والظواهر الخطيرة في المجتمع، كالإجرام وتعاطي المخدرات والانتحار، خاصة في صفوف الشباب، بسبب مجموعة من العوامل، كالفقر، وهو ما يؤدي في النهاية إلى زيادة الاحتقان الاجتماعي والنفسي داخل المجتمع”، مؤكداً أن “معالجة هذا الإشكال تكمن أساساً في تعزيز الصحة النفسية وإشاعة ثقافتها والقطع مع مجموعة من التمثلات التي تربط، مثلاً، الطب النفسي بالحمق”.
ولفت الباحث ذاته إلى “وجود خصاص في المغرب على مستوى الأخصائيين النفسيين، إذ ليس لدينا، إلى حدود اللحظة، ما ينظم هذه المهنة، إضافة إلى ضبابية مصير خريجي الجامعات في المغرب في مجال علم النفس والإرشاد والتوجيه والمواكبة النفسية والاجتماعية”، مسجلاً أن “تعميم الصحة النفسية وتقريبها، في إطار سيكولوجية القرب، في الأحياء وكذلك في القرى والمدن الكبرى، سيساهم في معالجة مجموعة من الإشكالات وفي الارتقاء بالصحة والوعي النفسيين لدى الأفراد والمجتمع”.
من جهته أوضح خالد التوزاني، أستاذ جامعي ورئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي، أن “رأس العام الميلادي يحل ليمنح المجتمع المغربي، مثل غيره من المجتمعات الإنسانية، لحظة تأمل في حصاد عام مضى وعام مقبل بكل ما يحمله المستقبل من أحداث مفاجئة وتوقعات قد تحمل بعض التغيير”، مبرزاً أن “تفسير تجدد الإحباط مع نهاية السنة يرتبط بما يسمى قلق المحطات الزمنية”.
وأضاف التوزاني، في تصريح لهسبريس، أن “نهاية السنة ليست مجرد رقم يتغير، بل هي ‘مرآة’ تضع الفرد أمام وعود قطعها لنفسه، أو انتظارات وضعها المجتمع عليه، أو أحلام كافح لتحقيقها”، معتبراً أنه “في المجتمع المغربي هناك ‘ساعة اجتماعية’ ضاغطة؛ الشاب يجب أن يعمل، والمكتري يجب أن يملك، والعزباء يجب أن تتزوج، وغيرها من الضغوط”، وزاد: “حين تدق الساعة ولا يتحقق الهدف يشعر الفرد بأنه ‘خارج الإيقاع’ مقارنة بأقرانه، ولذلك تتجدد مشاعر الإحباط كلما حل رأس السنة، لأنه يذكّر الناس بالأعمال ‘المؤجلة’ والإخفاقات المتكررة”.
وسجل المتحدث ذاته أن “تكرار الإحباط يؤدي بالفرد إلى التحول نحو ‘الانسحاب الاجتماعي’، ويتجلى ذلك في جملة من السلوكيات، على رأسها تجنب المناسبات”، مردفا: “كما يلجأ البعض إلى تبني خطاب ساخر أو ‘عدمي’ تجاه المجتمع والنجاح، كآلية حماية نفسية لتقليل ألم الفشل، فيعتبر الصحة أهم شيء في الحياة، ولا يبدي أي تقدير للعمل والإنتاج والتواصل، ويسخر من المال وأصحاب الأعمال، ويميل إلى تبخيس النجاح”، ومؤكداً أن “هذا الإحباط له أثر نفسي كبير، شعاره العجز والإحساس بالنقص والدونية وعدم القدرة على التحمل، وفقدان الثقة في كل شيء، إلى أن يصل إلى مرحلة تآكل الهوية”.
وللخروج من هذه الدائرة المغلقة شدد الأستاذ الجامعي ذاته على أهمية “تغيير العقليات وزرع الأمل في النفوس، وذلك بنشر ثقافة التحفيز والتشجيع والتعبير عن الفرح بالنجاحات الصغيرة، لأن تراكم هذه النجاحات البسيطة يمكن أن يؤدي في النهاية إلى نجاح كبير، فالمشكلة تقع غالباً عندما يضع الإنسان أهدافاً كبيرة فيعيش تحت ضغط متواصل، في حين ينبغي التركيز على التحكم في المتاح والممكن، ولكن مع الاستدامة”.
المصدر:
هسبريس