تدفقت ملايين الأمتار من المياه المكعبة نحو البحر، خلال التساقطات المطرية التي عرفها المغرب خلال الأيام الماضية، خصوصا ببعض المدن الساحلية التي عرفت تساقطات غزيرة، مثل مدينة آسفي التي شهدت فيضانات قبل أيام. هذا الوضع يستدعي المرور إلى جيل جديد من السياسات المائية لتفادي هذا الهدر، بحسب الخبير البيئي مصطفى بنرامل.
وبلغت كميات المياه التي تم تصريفها من عدد من السدود في اتجاه البحر، لتفادي الضغط، أكثر من 80 مليون متر مكعب، ينضاف إلى هذا الرقم ملايين الأمتار المكعبة من المياه التي تتدفق عبر شوارع المدن في شبكة التطهير الحضري، ومنها إلى البحر، خاصة في المدن القريبة من السواحل.
وكشفت التساقطات المطرية الأخيرة، حسب ما أفاد بنرامل في تصريح لـ”العمق”، عن مفارقة مقلقة في تدبير الموارد المائية بالمغرب، حيث تحولت كميات مهمة من مياه الأمطار إلى مياه مهدورة صُرفت مباشرة نحو البحر، سواء عبر شبكات التطهير الحضري أو نتيجة فيضانات موضعية.
واعتبر المتحدث أن هذا الوضع يعكس قصورا بنيويا في المنظومة الحالية، يتمثل أساسًا في ضعف التخطيط الاستباقي، وغياب رؤية مندمجة بين تدبير مياه الأمطار، وسياسات التهيئة الحضرية، واستراتيجيات الأمن المائي، إضافة إلى محدودية البنيات التحتية المخصصة لتجميع وتخزين المياه خارج منطق السدود الكبرى، بحسب تعبيره.
وأضاف أنه كان بالإمكان تفادي جزء كبير من هذا الهدر عبر اعتماد مقاربات أكثر مرونة ونجاعة، من بينها تعميم تقنيات تجميع مياه الأمطار على مستوى المدن والبنايات العمومية والخاصة، وإحداث خزانات حضرية وأحواض تسرب اصطناعية لإعادة تغذية الفرشات المائية.
كما اقترح رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ، استغلال الفائض المائي المؤقت في السدود عبر تحويله نحو مناطق تعاني من خصاص هيكلي بدل تصريفه. وهذا ما تم الشروع فيه بالفعل عبر تنفيذ سياسة الربط بين الأحواض التي انطلقت عبر ربط حوضي سبو وأبي رقراق.
ودعا مصطفى بنرامل إلى ضرورة إدماج البعد المائي في سياسات التعمير، و”اعتماد حلول قائمة على الطبيعة”، معتبرا أن إجراءات من هذا النوع ستساهم في تحويل مياه الأمطار من عبء ظرفي إلى رافعة استراتيجية لتعزيز الأمن المائي.
وفي ظل التغيرات المناخية المتسارعة، وتزايد حدة عدم انتظام التساقطات، وتقلص الموارد التقليدية، مقابل ارتفاع الطلب المرتبط بتطور الفلاحة والصناعة والنمو الحضري، لم تعد سياسة السدود الكلاسيكية، رغم أهميتها، كافية لوحدها، يضيف بنرامل في حديثه لـ”العمق”.
وشدد على أن المغرب أصبح في حاجة إلى جيل جديد من السياسات المائية، يُكمل سياسة السدود ولا يعوضها، ويرتكز على تنويع مصادر المياه، وتثمين كل قطرة، خصوصًا عبر تجميع مياه الأمطار، وإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة، وتحسين حكامة استغلال فائض السدود.
جدير بالذكر أن المملكة عرفت خلال الفترة الممتدة من 27 إلى 28 دجنبر 2025 تسجيل واردات مائية مهمة، حيث بلغ الحجم الإجمالي لهذه الواردات 117,1 مليون متر مكعب. وتعكس هذه الأرقام مساهمة التساقطات المطرية الأخيرة في تعزيز الموارد المائية بعدد من الأحواض، وفق معطيات لوزارة التجهيز والماء.
وسجل حوض سبو أعلى واردات مائية خلال هذه الفترة، بحجم وصل إلى 35.7 مليون متر مكعب، يليه حوض أم الربيع الذي استقبل 22.6 مليون متر مكعب، في حين استقبل حوض اللوكوس حوالي 20 مليون متر مكعب، بينما بلغت الواردات المائية بحوض أبي رقراق والشاوية 19.3 مليون متر مكعب.
المصدر:
العمق