بعد “شد وجذب” في الأيام الأخيرة، أكدت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، مساء الثلاثاء بمجلس المستشارين، أن الحفاظ على المصالح الإدارية والحقوق المكتسبة لموظفي الخزينة العامة للمملكة يشكل “أولوية قصوى” في مسار تنزيل القانون رقم 14.25 (جبايات الجماعات الترابية).
جاء ذلك في معرض ردّ وتفاعل المسؤولة الحكومية مع سؤال شفوي تقدم به فريق الاتحاد المغربي للشغل حول “معالجة الارتباك والغموض المهني” المرافق لهذا الورش؛ إذ وجّهت الوزيرة “رسائل طمأنة قوية إلى الموظفين”، مشددة على أن “الإصلاح لن يكون أبدا على حساب كرامتهم أو استقرارهم”.
وأوضحت فتاح أن الوزارة اعتمدت “مقاربة تشاركية تضمن الاستقرار النفسي والمهني لكافة الموظفين”، مستندة في ذلك إلى “مبدأيْن أساسيين لا محيد عنهما”: الطوعية وصون المكتسبات.
وأفادت، في التفصيل، بأنه “لا مجال لإجبار أيّ موظف على مغادرة وظيفته أو البقاء فيها”، قائلة: “يبقى الاختيار بيد الموظف وحده، وأيضا حسب القدرات التكوينية الممكنة لتطوير المسيرة المهنية”.
وبشأن “صون المكتسبات”، شددت الوزيرة على أن “الحقوق المكتسبة للموظفين خط أحمر لا يمكن المساس به بأي حال من الأحوال”، بتعبيرها.
في خطوة عملية لتبديد الغموض حول المآل المهني، أعلنت الوزيرة عن منح “موظفي القباضات” المعنية حرية الاختيار بين ثلاث وضعيات قانونية تتيح انتقالا سلسا يناسب أولويات كل فرد. وقالت إن الموضوع “شكل محط تنسيق دقيق ومتواصل مع مصالح وزارة الداخلية للوصول إلى توافقات”. وتتمثل الخيارات الثلاثة في “الوضع رهن الإشارة”، “الإلحاق” أو “الإدماج” ضمن أسلاك موظفي وزارة الداخلية.
أما بالنسبة للموظفين الذين لا تشملهم هذه الحركية، فقد جددت وزيرة المالية “التأكيد على أنهم يتمتعون بكامل حقوقهم وواجباتهم كجزء لا يتجزأ من أطر وزارة الاقتصاد والمالية”، معتبرة أن هناك “حالات معزولة لا تتجاوز ربما مقرا أو مقرّيْن (…) ونعمل للحصول على توافقات”.
وبشأن المخاوف المتعلقة بمقرات العمل، كشفت نادية فتاح عن “وجود اتفاق مع وزارة الداخلية يقضي ببقاء موظفي الخزينة العامة في بناياتهم الحالية لمدة انتقالية تصل إلى ستة أشهر”، مطمئنة الجميع بأنه “في حال تعذّر الاستعمال المشترك للبنايات مستقبلا، فإن الوزارة ملتزمة بإيجاد حلول بديلة تضمن نقل الموظفين إلى أماكن عمل جديدة في ظروف تتسم بالاحترام التام لكرامتهم”.
كما أفادت بأنه لإنجاح هذا الانتقال، أُحدِث “صندوق تدبير المصالح المالية للجماعات الترابية” ضمن قانون المالية لسنة 2026، لتغطية نفقات تسيير القباضات الجماعية والتعويضات المرتبطة بها. وأكدت استمرار الدورات التكوينية لتأهيل الموارد البشرية بما يضمن استمرارية المرفق العمومي وحماية المداخيل الجبائية، خاتمة كلامها بأن “هذا الإصلاح الحيوي لن يتم إلا بتوافق تام مع موظفي القباضات الذين نعتبرهم ركيزة نجاحه، ولن يكون أبدا على حسابهم”، بتعبيرها.
موضوع “آفاق الاستثمار العمومي” الذي أثاره مستشارو “الأحرار” خلال الجلسة ذاتها تفاعلت معه نادية فتاح بكشفها أن “وزارة الاقتصاد والمالية تعتزم إطلاق منصة وطنية مخصصة لتدبير مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، كخطوة استراتيجية تهدف إلى ضمان إدارة مركزية وشفافة وآمنة للبرنامج الوطني السنوي ومتعدد السنوات للمشاريع، مع تسهيل التنسيق بين مختلف الفاعلين”.
تأتي هذه المبادرة، بحسب فتاح، في إطار تفعيل أدوار “اللجنة الوطنية للشراكة” لتعزيز مرونة تنفيذ المشاريع وتحديد التوجهات الاستراتيجية، مما يسهم في تشجيع و”تعبئة الخواص للاستثمار في أوراش كبرى تضمن استدامة المالية العمومية وضبط مستويات المديونية، تماشيا مع التعديلات القانونية الجديدة التي تمنح دينامية أقوى لهذه الشراكات الاستراتيجية”.
وفي سياق متصل، كشفت الوزيرة عن قفزة نوعية في حجم الاستثمارات العمومية التي سجلت مستويات غير مسبوقة برسم قانون المالية لسنة 2026؛ إذ بلغت حوالي 380 مليار درهم، مسجلة زيادة لافتة تقدر بـ 150 مليار درهم مقارنة بسنة 2021. ويعكس هذا المجهود الاستثماري الضخم التزام الحكومة بتسريع وتيرة تنمية البنيات التحتية وفق مقاربة مجالية مندمجة، تضع العدالة المجالية في صلب أولوياتها لضمان شمولية التنمية بكافة جهات المملكة، وتحويل الاستثمار العمومي إلى رافعة حقيقية لتحسين ظروف عيش المواطنين ودعم الأنشطة الإنتاجية.
وفي تعقيبها، قالت فتاح العلوي إن الطموح الحكومي يرتكز على قلب معادلة الاستثمار لبلوغ “حصة الثلثين للقطاع الخاص”، مؤكدة عدم وجود أي تناقض بين مجهودات القطاعين العام والخاص؛ إذ تضطلع الدولة بدورها في تهيئة الإطار القانوني والبنيات التحتية الاستراتيجية، مثل مركب “طنجة المتوسط” الذي ضاعف حجم استثماراته ليصل إلى 84 مليار درهم بنهاية 2024 خالقا آلاف فرص الشغل، ومشروع “الناظور غرب المتوسط”، لتكون هذه المشاريع قاطرة لإسهام رأسمال القطاع الخاص.
كما أوضحت الوزيرة أن “العدالة المجالية” تُوجّه الأولويات الاستثمارية الحكومية، من خلال “تقوية شبكات الماء والطرق بالجهات، وتعزيزها بالحوافز والمنح الترابية التي يوفرها ميثاق الاستثمار الجديد”، وهي الدينامية التي توجت باعتراف دولي عبر تقرير “بيزنس ريدي” (Business Ready)، الذي صنف المغرب ثانيا عربيا وإفريقيا في جاهزية مناخ الأعمال، مما يكرس مكانة المملكة كبيئة آمنة وجذابة للاستثمار.
المصدر:
هسبريس