قدمت الرابطة المحمدية للعلماء، أمس الثلاثاء بمقرها في الرباط، أحدث مشاريعها وهو “دليل المنهجية الفقهية في مؤلفات المذاهب الأربعة” في أجزاء عديدة. ويقدم هذا المشروع تاريخ مؤلفات المذاهب المالكية والشافعية والحنفية والحنبلية، ودلائل مصادرها المعتمدة، ومعاجم خاصة بمصطلحاتها ورموزها ومبهماتها ومتشابهاتها، قصد “إحياء الصلة بالفقه الإسلامي على أسسه الصحيحة”.
وفي لقاء تقديم المؤلفات الجديدة التي شارك في إعدادها مجموعة من الأكاديميين والباحثين، مع التعريف بالمحطة المقبلة من المشروع، قال أحمد عبادي، أمين عام الرابطة المحمدية للعلماء، إنه “حقيبة لاستخراج الحكم والأحكام، والغوص في المذاهب، وهي أدوات وخرائط لاستخراج الفوائد”، من أجل “استيعاب هذا الفضل المبارك الذي قد نتج من خلال اجتهادات فقهاء العصور، فلا يستقيم الفهم بدون العدد والخرائط والكشافات للمصطلحات والرموز”.
وتابع عبادي: “انتبهنا إلى إحدى الإصابات الخطيرة، وهي النزوع نحو اللامذهبية؛ أي الزعم بقدرة الوصل بين حاضر الأمة ومبتدئها دون أخذ الأمور من مظانها والسير في الأرض لننظر كيف بدأ الخلق، من أعراف وروايات وتفاعلات اجتماعية وسياسية وحضارية وعلمية انخرطت في المذاهب”.
وبالتالي “الذي يهجم على كل هذه الأنساق دون أن يكون مجهزا بالعدد اللازمة التي تؤهله لحسن القراءة والاستيعاب والاستنباط المُنبَني على الفهم، فلن تكون قراءته معانقة للصواب دون خرائط ومفاتيح لازمة”، وفق أحمد عبادي.
ولذلك، بادرت الرابطة المحمدية للعلماء، عبر مركزها للدراسات في المذهب المالكي، أكد رئيسها، إلى “وضع خرائط وجملة من الدلائل، هي مداخل للتعامل مع هذا الميراث المبارك (…) أي المذاهب التي تقدم أنظارا في النص المؤسس القرآن المجيد، والسنة الغراء التي هي تلاوة واتباع من مشكاته ولمضامينه، وهذه الاجتهادات شكلت سرديات تؤطر الدين والكسب الدنيوي والمعاملات والعبادات”.
من جهته، قال محمد العلمي، رئيس مركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي التابع لرابطة العلماء، إن مشروع دليل المنهجية الفقهية في مؤلفات المذاهب الأربعة يريد “مساعدة الأجيال الحالية في استيعاب فوائد ونفائس ما تركه أربعة عشر قرنا من العمل العميق”.
وأضاف العلمي: “اكتشفنا أمورا جوهرية؛ منها أن الفقه الإسلامي في المذاهب الأربعة لم يتطور في ظروف مثالية، بل تطور في ظروف واقعية بكل ما في الكلمة من معنى.. فكان الفقهاء يشتغلون على كل جزئية في مجتمعاتهم، ويؤطرونها، ولم تكن المذاهب ناتجة عن تأمل نظري مجرد؛ بل اشتغلت على ما مر من مجاعات ومصائب وحروب وفقر وظروف الهزيمة والكسب، والبدو والمدينة، وكان حياةً، وخلفية لاستقرار المجتمعات الإسلامية رغم التقلبات”.
ويروم المشروع نقل “موضوع الشريعة والفقه المالكي” من النقاش النظري إلى المشروع العملي، إذ سجل رئيس مركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي أن “كل الشبهات في المائة سنة السابقة لم تدمر الذاكرة الفقهية”؛ فالكتب الاثنا عشر المشكلة للمشروع “تضع بنية أساسا لتأريخ كل مذهب فقهي من خلال مؤلفاته”، مع معاجم تبين “المصطلحات والرموز، والمبهمات والمشتبهات” في المذاهب الأربعة.
من جانبه، ذكر طه فطناسي، باحث في المشروع، أن الهدف الجوهري لمعاجم المجلدات هي “تذليل عقبات التعاطي البحثي مع المصادر الفقهية، المثقلة بالمصطلحات والرموز والمشتبهات والمبهمات”.
ويأتي المشروع، وفق ورقته الخاصة التي عممتها الرابطة المحمدية للعلماء، بعدما “طفحت اللامذهبية في تاريخ الأمة الإسلامية الثقافي، مقدمة نفسها باعتبارها مشربا توّاقا للعهد الذهبي للإسلام، مع الرعيل الأول والسلف الصالح؛ غير أن الحال انتهى بها إلى تفكيك قدر غير يسير من إجماعات الأمة، وإنتاج ما لا يستهان به من الارتباكات في مجال التدين عبر العالم الإسلامي. يزيدها مأساوية عدم الشعور بها وافتقاد أية مبادرة أو قابلية لتصحيحها”.
وتسجل رابطة العلماء بالمغرب أن “من أكبر الاختلالات الناجمة عن هذه المقاربة أن ‘قراءة’ الشريعة والفقه وتاريخه ومفاهيمه الأساسية تجرد نهائيا من المعايير العلمية والمنهجية، ومن اعتبار الجهود التي تنظر إلى الفقه، الذي هو الممارسة الوحيدة المعتمدة للشريعة منذ نشأتها إلى الآن، نظرة مبنية على الحقائق، وممكنة من نظم اللاحق من أضرب الكسب العلمي، بطريقة تكاملية، مع السابق منها”؛ وبالتالي “رامت الرابطة المحمدية للعلماء من خلال هذا المشروع الإسهام في رد الأمور إلى نصابها، وفي توجيه الباحثين إلى أجيال جديدة من الأطاريح والأعمال العلمية عمادها ‘استرداد الوعي بالنسغ الأصيل في مضمار ممارسة الشريعة’، حتى يمكن إعادة الاعتبار لصلة الناس بعلمائها، ومؤسساتها التي أنهكها التهميش بسبب ما سبق”.
المصدر:
هسبريس