وجه عدد من المستشارين، اليوم الثلاثاء، انتقادات حادة لوزير النقل واللوجيستيك، عبد الصمد قيوح، خلال جلسة الأسئلة الشفوية، حول غياب العدالة المجالية في توزيع مشاريع النقل على المناطق البعيدة والمهمشة، وارتفاع أسعار النقل العمومي، فضلا عن اختلالات الحوار القطاعي مع النقابات والموظفين.
وأبرز المستشارون أمثلة عملية على تهميش عدد من المناطق التي لا تزال محرومة من البنيات التحتية الأساسية، مثل الطرق السيارة والأنفاق والسكك الحديدية، رغم الإعلان عن برامج استراتيجية تمتد إلى 2030 و2040، مؤكدين أن استمرار هذه الاختلالات يعكس تراكمات حكومات متعاقبة ويضع الحكومة الحالية أمام مسؤولية مباشرة لضمان إنصاف جميع المناطق.
كما شددوا على ضرورة معالجة ارتفاع تكاليف النقل العمومي، الذي أصبح يشكل عبئا على المواطنين، داعية من جهة ثانية لتعزيز الحوار الاجتماعي القطاعي وإعادة هيكلته بما يضمن مشاركة فعالة للنقابات والموظفين في اتخاذ القرارات، ويحقق الشفافية والعدالة، ويضع حدا للإقصاء والتمييز في توزيع المشاريع التنموية.
ارتفاع أسعار النقل العمومي والقدرة الشرائية
وجهت المستشارة البرلمانية عن فريق الاتحاد المغربي للشغل، مينة حمداني، انتقادات حادة لوزير النقل واللوجيستيك، عبد الصمد قيوح، حول ارتفاع تكاليف النقل العمومي وتأثيرها المباشر على القدرة الشرائية للمواطنين، وخاصة الأجراء، والطلبة، والمتقاعدين، والفئات الهشة.
وأوضحت حمداني أن النقل العمومي، سواء الحضري أو بين المدن، أصبح من أبرز الضغوط اليومية على ميزانية الأسر المغربية، مستشهدة بأسعار تذاكر الطرامواي في الدار البيضاء التي تصل إلى 8 دراهم، وفي الرباط والمدن المجاورة التي ارتفعت إلى 7 دراهم خلال الصيف، فضلا عن أسعار الحافلات التي تتراوح بين 5.5 و6.5 درهم، وما يزيد عن ذلك في مدن أخرى.
ولفتت إلى أن هذه الزيادات تمس بشكل مباشر العمال الذين يتقاضون الحد الأدنى للأجور، حيث تمثل مصاريف التنقل نحو 20 في المائة من دخلهم الشهري، دون احتساب مصاريف التمدرس، والصحة، والمواد الاستهلاكية، ما يرهق القدرة الشرائية للأسر، وفق تعبيرها.
وطالبت المستشارة ذاتها الحكومة بإحداث آلية دعم اجتماعي مباشر لفائدة الأجراء، والطلبة، والأشخاص ذوي الإعاقة، والمتقاعدين، وإمكانية إعفائهم من بعض تكاليف النقل، على غرار عدد من الدول، بالإضافة إلى تحسين جودة عروض النقل داخل المدن ودمج جميع أنواعه ضمن المقاربة الاجتماعية للحكومة.
وأكدت حمداني أن بناء الدولة الاجتماعية يتطلب اهتماما بأدق تفاصيل العيش اليومية للمواطنين، وحماية قدرتهم الشرائية عبر رؤية حكومية متناسقة تنهي ازدواجية المسؤولية في القطاعات، وتضع المواطن، لا سيما الطبقة العاملة والفئات الهشة، في صلب السياسات العمومية للنقل.
غياب العدالة المجالية بمشاريع النقل
انتقد المستشار البرلماني عن الفريق الحركي، عبد الرحمان الدريسي، ما اعتبره غيابا واضحا للعدالة المجالية في تنزيل البرامج الكبرى للبنيات التحتية، معبرا عن استغرابه من استمرار تهميش عدد من المناطق، رغم الخطاب الحكومي الذي يواكب مشاريع استراتيجية تمتد إلى آفاق 2030 و2040.
وتوقف الدريسي عند ما وصفه بإشكالية “لكن” التي أصبحت تتكرر داخل قبة المستشارين، في إشارة إلى الفجوة القائمة بين الخطاب الرسمي حول المشاريع الكبرى، وواقع عدد من المناطق التي لا تزال خارج دائرة الاستفادة.
وأوضح أن هذه المناطق، رغم إدراجها ضمن الخريطة الوطنية، ما زالت تفتقر إلى أبسط البنيات التحتية، من طرق سيارة، وطرق مزدوجة، وأنفاق، ما يطرح، بحسبه، تساؤلات حقيقية حول معايير توزيع المشاريع المهيكلة.
وفي هذا السياق، تساءل الدريسي عن الأسباب التي تجعل مناطق بعينها تقصى من برامج تمتد إلى أفق 2030 و2040، رغم ما تعلنه الحكومة من تصورات شمولية للتنمية. وقال مخاطبا الوزير: “نحاول أن نفهم هذه البرامج كلها، ونتساءل لماذا نحن مقصيون منها”، مؤكدا أن هذا الإقصاء لا يمكن تبريره فقط بإكراهات تقنية أو ظرفية.
ورغم تحميله المسؤولية لما سماه “تراكمات حكومات متعاقبة”، شدد المستشار البرلماني على أن ذلك لا يعفي الحكومة الحالية من واجب طرح الأسئلة الصعبة، واتخاذ قرارات شجاعة لتصحيح الاختلالات. وفي هذا الإطار، استحضر مثال السكك الحديدية التي كانت، في فترات سابقة، تصل إلى مناطق مثل ميدلت وبوعنان، متسائلا عن أسباب غيابها اليوم، رغم تنامي الحاجيات الاقتصادية والاجتماعية لتلك المناطق.
كما لفت الدريسي إلى الإشكالات المرتبطة باستغلال المعادن في عدد من الجهات، وخاصة بجهة درعة تافيلالت، مبرزا أن نقل هذه الثروات عبر الشاحنات الثقيلة يتسبب في تدهور كبير للبنية الطرقية، ما يجعل الساكنة والجماعات الترابية تؤدي كلفة مضاعفة: كلفة استغلال الموارد، وكلفة إصلاح الأضرار اللاحقة بالطرق. واعتبر أن هذا الوضع يعكس اختلالا واضحا في توزيع الأعباء والعوائد، في غياب رؤية منصفة تضمن حق هذه المناطق في بنية تحتية تليق بدورها الاقتصادي.
وشدد المستشار الحركي على أن المغرب اليوم في حاجة إلى “عدالة مجالية حقيقية”، مؤكدا أن مساءلة الحكومة حول هذا الموضوع ليست مسؤولية البرلمان وحده، بل هي أيضا مسؤولية الحكومة تجاه نفسها، من أجل إعادة تقييم اختياراتها التنموية، مضيفا أن تكرار النقاش حول مناطق بعينها، مثل درعة تافيلالت، والريف، والحسيمة، وغيرها من المناطق التي وصفها ب“المهمشة”، يعكس عمق الإشكال واستمراريته.
وختم عبد الرحمان الدريسي تدخله بالتأكيد على أن التصفيق للحكومة على إنجازاتها يظل أمرا مشروعا ومحل فخر، لكنه شدد في المقابل على أن “الشرف الحقيقي” يقتضي من الحكومة الإجابة عن الأسئلة الكبرى التي تطرحها المناطق غير المحظوظة، وضمان حقها الكامل في الاستفادة العادلة من البرامج والمشاريع الوطنية، بدل الاكتفاء بإطلاق استراتيجيات كبرى لا تنعكس آثارها على جميع المواطنين بنفس القدر.
اختلالات الحوار القطاعي بالنقل
من جهته، انتقد المستشار البرلماني عن فريق الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، خالد السطي، تعاطي الحكومة ووزارة النقل واللوجيستيك مع عدد من الملفات الاجتماعية والإدارية العالقة، داعيا إلى مقاربة تشاركية وجدية في تدبير الحوار الاجتماعي القطاعي، وضمان حقوق الموظفين واحترام مبادئ الإنصاف والاستحقاق.
وأبرز السطي، خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين، الثلاثاء، أن وجود حوار اجتماعي قطاعي، وإن كان أمرا إيجابيا، يظل غير كاف ما لم يدعم بإجراءات مؤسساتية واضحة وفعالة.
وفي هذا السياق، دعا وزير النقل واللوجيستيك إلى إحداث لجنة عليا للحوار الاجتماعي القطاعي، يترأسها الوزير شخصيا، على أن تنعقد بشكل دوري، مرة كل شهرين على الأقل، بما يضمن تتبعا منتظما للملفات المطروحة وتنزيلا فعليا لمخرجات الحوار.
كما شدد السطي على ضرورة تفويض جزء من الصلاحيات للمسؤولين الإداريين، معتبرا أن تركيز عدد كبير من القرارات في يد الوزير يؤدي إلى تعطيل مصالح الموظفين وتأخير معالجة الملفات. واقترح، في هذا الإطار، إحداث لجنة عليا للتشاور على مستوى الوزارة، تعنى باتخاذ القرارات الاستعجالية ذات الطابع الإداري والاجتماعي.
وفي صلب انتقاده، وضع السطي ملف النظام الأساسي لموظفي وزارة النقل واللوجيستيك، واصفا إياه بالمطلب الجوهري والمستعجل. ودعا إلى فتح نقاش جدي ومسؤول حول هذا النظام، مع تحديد أجندة واضحة لإخراجه إلى حيز الوجود، أسوة بعدد من القطاعات العمومية التي استفادت من أنظمتها الأساسية، مثل التعليم، والمالية، والصحة، والجماعات الترابية، وتفتيش الشغل، معتبرا أن استمرار غياب هذا الإطار القانوني يكرس الإحساس بعدم الإنصاف داخل القطاع.
ولم يفت المستشار البرلماني التأكيد على ضرورة ضمان النزاهة والإنصاف في مباريات شغل مناصب المسؤولية، واحترام مبدأ الاستحقاق، معتبرا أن تكريس هذا المبدأ يشكل أساسا لأي إصلاح إداري حقيقي، دعيا إلى وضع حد لكل أشكال التضييق أو التمييز في حق الموظفين بسبب انتماءاتهم النقابية أو السياسية، خاصة على مستوى المصالح الخارجية للوزارة، مع التشديد على حماية الحريات النقابية واحترام الحقوق المهنية.
المصدر:
العمق