على خلفية “الأحداث الأليمة” التي شهدتها مدينة أسفي، ليلة أمس الأحد، جراء فيضان أودى بحياة 37 مواطنا حسب آخر الأرقام المعلنة، يعود من جديد نقاش “سبل تعويض الحكومة المتضررين ماديا”.
وفتحت هذه الواقعة مرة أخرى النقاش حول “صندوق التضامن ضد الكوارث الطبيعية” الذي غاب أثره في “فيضانات الجنوب الشرقي”؛ فيما تؤكد مصادر محلية مواجهة متضررين فقدوا سياراتهم تحت المياه عمال “ديباناج” المشترطين تأدية مبالغ تصل إلى 300 درهم.
وأعلن الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بآسفي أن النيابة العامة قررت فتح بحث قضائي على خلفية السيول الفيضانية التي شهدها إقليم آسفي، مساء أمس الأحد، والتي أسفرت، في حصيلة مؤقتة، عن وفاة حوالي 37 شخصا.
وقال أيمن أماليك، عضو لجنة إشراف الحكومة المنفتحة والكاتب العام لجمعية من أجل الشباب، إن الحكومة يجب أن تقر بأن ما حدث هو كارثة طبيعية تُمكّن المتضررين من الحصول على التعويضات، والدولة عامة مسؤولة عن تعويض هؤلاء المتضررين، خاصة أنهم استقروا وبنوا محلاتهم بتراخيص رسمية.
وأضاف أماليك، في تصريح لهسبريس، أن المسألة الآن في يد الحكومة لتفعيل الإجراءات اللازمة. كما أنه من الضروري أن يتدخل المجتمع المدني، خاصة مع تسجيل خسائر مادية وبشرية.
وتابع الفاعل المدني: “لو كان هناك تدخل سريع وإجراءات استباقية في البداية لما وقعت هذه الإشكالية من الأساس، إذ لولا نهوض الشباب المتطوعين للقيام بالواجب لكان عدد الضحايا والقتلى أكبر مما هو عليه الآن. وحتى هذه اللحظة، لا يوجد تفاعل حكومي كافٍ وملموس مع هذه الواقعة، وهذه معضلة تتكرر”.
وأشار المتحدث عينه إلى أن التفاعل الحالي من قبل الحكومة ضعيف، وهي بمثابة سياسة “الهروب إلى الأمام” أو سياسة “النعامة” التي لا ترى ردة الفعل، داعيا بذلك إلى “التوقف عن هذه الممارسات؛ فالمبدأ الذي يجب أن تتمسك به الحكومة هو ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتحديد المسؤولين عن التجاوزات في بلد يسعى إلى تنظيم أحداث رياضية كبرى مثل كأس العالم”.
وطالب أماليك بـ”فتح تحقيق فوري لمعرفة من تسبب في هذه الكارثة، وما كان يجب فعله لتفاديها؛ لأن التركيز يجب أن يكون على المساءلة. بعد ذلك، يمكن سبل تفعيل التعويضات المادية للممتلكات”.
من جهته، قال عبد الرحيم العلام، أستاذ وباحث في الشأن القانوني والدستوري، إن نصوصا بالدستور المغربي، وهي متعددة، تلزم الدولة بتحمّل مسؤوليتها عن الأضرار الناتجة عن إهمال مصالحها؛ فالفصول: 40 و93 و136 كلها تسير في اتجاه ترتيب المسؤولية على مصالح الدولة.
وأضاف العلام، في تصريح لجريدة هسبريس، أن الفيضانات في الأساس ليست قضاءً وقدرًا لا يمكن تفاديه؛ بل هي أمور متوقعة يمكن التعامل معها والتقليل من آثارها.. وهنا المسؤولية تقع بشكل كبير على عاتق الدولة ومؤسساتها المحلية للقيام بالإجراءات الوقائية اللازمة.
وتابع الباحث المتخصص في الشأن القانوني: “فيما يتعلق بالكوارث الأخيرة وما نتج عنها من وفيات وخسائر مادية، يجب على الحكومة أن تسرع في التحرك قانونيًا لضمان التعويض عن الأضرار”، مبرزا أن “المسؤولية القانونية للدولة عن التعويض ثابتة ومدعومة بسوابق قضائية، حيث سبق أن عوَّضت الدولة المتضررين وحمَّلها القضاء المسؤولية”.
واعتبر عبد الرحيم العلام أنه على الدولة أن تمنع وقوع الضرر عبر اتخاذ التدابير الضرورية قبل وقوع الكوارث. في حالة توقع الأمطار الغزيرة، يجب على البلديات، على سبيل المثال، صيانة وتنظيف البالوعات والمجاري المائية بفعالية. هناك عدد من الإجراءات المتوقعة التي يجب القيام بها لتقليل حجم الأضرار.
وشدد المتحدث ذاته على أن الحكومة تتحمل المسؤولية؛ لأنها لم تتخذ الإجراءات الوقائية اللازمة التي كان من شأنها أن تحول دون تعرض المواطنين للفيضانات والأضرار الناتجة عنها، وهذا الجانب من المسؤولية ثابت وواضح. وبغض النظر عن وجود صندوق مخصص للكوارث من عدمه، يجب عليها المبادرة بالتعويض.
كما نبه العلام إلى أهمية هذه المبادرة، خاصة أن فئة واسعة من المتضررين قد لا يمتلكون القدرة على التوجه إلى القضاء للمطالبة بحقوقهم.
المصدر:
هسبريس