أكد يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، الأربعاء، خلال ترؤسه حفل افتتاح “الأيام الجهوية التحسيسية حول الوقاية من المخاطر المهنية” المنظمة بشراكة مع المعهد الوطني لظروف الحياة المهنية (INCVT)، أن “قضايا الصحة والسلامة المهنية لم تعد مجرد إجراءات وقائية عابرة”، موردا أنها “تقع في قلب السياسات العمومية وتعد عنصرا استراتيجيا حاسما في تنافسية المقاولات”.
في كلمته الافتتاحية للحدث المنظم تحت شعار “المخاطر الفيزيائية المرتبطة بالعمل: معرفة أعمق من أجل وقاية أفضل”، الذي تستمر حملتُه التحسيسية من 10 دجنبر إلى 20 يناير المقبل، شدد الوزير على أن “الصحة والسلامة المهنية ركيزة للتنافسية ومن مكونات ‘الحمض النووي’ لأيّ مقاولة مغربية”.
الفعالية التي لمّتْ نخبة من الخبراء والشركاء المؤسساتيين والفاعلين السوسيو-اقتصاديين المنخرطين في تعزيز الوقاية من المخاطر المهنية، فضلا عن فدراليات مهنية، أبرز خلالها وزير التشغيل والمقاولة الصغرى أن “الاستثمار في جودة العمل وحماية بيئة المشتغلين يجب أن يكون جزءا لا يتجزأ من ‘الحمض النووي’ للمقاولة”.
وأوضح في معرض حديثه أن “الالتزام بالمسؤوليات الاجتماعية للمقاولات (RSE) وتوزيع القيمة بشكل عادل عبر سلسلة الإنتاج لا يستقيم بدون حماية العنصر البشري”، معتبرا أن “الوقاية من المخاطر هي رافعة أساسية للتنافسية، خاصة في زمن الأزمات”.
المسؤول الحكومي ذاته دعا إلى “اعتماد مقاربة علمية مبنية على تشخيص تقني دقيق للمخاطر المهنية في المغرب”، لافتا إلى أن “عمل الوزارة بشراكة مع المعهد الوطني لظروف الحياة المهنية متواصل ويتقوّى من خلال لجنة مختصة لوضع معايير (Normes) لتجويد ظروف العمل، تأخذ بعين الاعتبار إكراهات وخصوصية كل قطاع اقتصادي على حدة”. وفي هذا الصدد، توقف الوزير عند “قطاع التوصيل” وعمّاله كنموذج، مشيرا إلى أن “وضعية بعض العاملين فيه تستوجب المراجعة الدقيقة قانونيا وتشريعيا بتعديلات مواكبة ومخصَّصة حسب الخصوصية”.
وحضرت “شمولية الوقاية من المخاطر المهنية” باستحضار ليس فقط العوامل الجسدية بل النفسية كذلك. وفي توسيع لمفهوم المخاطر، لم يكتفِ السكوري بالحديث عن المخاطر الفيزيائية، بل نبه إلى “التهديدات النفسية” بجميع أنواعها في أماكن العمل، التي “لا يجب فقط حصرها في التحرش أو المضايقات” (مثلا)، مؤكدا في السياق أن “الهدف الأسمى هو جعل الموارد البشرية وراحتها وتنميتها الذاتية في صلب اهتمامات مختلف الفاعلين”.
وبالمناسبة، شدد المسؤول الحكومي على ضرورة التحسيس بتوفير “قوة تعبئة شاملة تمتد إلى غاية 20 يناير القادم، تعتمد على توقيع شراكات استراتيجية والتعاون الوثيق مع الفيدراليات المهنية”. ولتشجيع الانخراط الإيجابي، أشار الوزير إلى أهمية خلاصات التفكير في تخصيص “جائزة للصحة والسلامة في أماكن العمل” لتحفيز المقاولات على ربح رهان بيئة عمل آمنة وسليمة”.
واختتم السكوري كلمته بأن “النقاش الحالي يهدف إلى تحديد الأولويات وخلق فضاء عمل يحترم خصوصية القطاعات الاقتصادية، ويضمن وقاية فعالة ومستدامة للأجراء؛ بما يجوّد أداء المقاولة ويرفع تنافسيتها ويضمن في المقابل رفاه مواردها البشرية”.
من جهتها، قدّمت مديرة المعهد الوطني لظروف الحياة المهنية، فايزة أمهروق، استراتيجية المعهد، خاصة في شق التوعية والتحسيس لدى أرباب العمل والمقاولات وبتعاون مع عدد من الفدراليات القطاعية والمهنية، خصوصا في قطاعاتٍ تعرف مستوى مخاطر مرتفع (الضوضاء، الحرارة المفرطة…).
وفي كلمتها خلال اللقاء، سلطت أمهروق الضوء على الركائز الأساسية لهذه الرؤية، التي تضع المعهد الوطني، التابع لوزارة التشغيل، “فاعلا محوريا في تعزيز الصحة والسلامة المهنية في المغرب”.
وشددت المسؤولة سالفة الذكر على أن “هذا الحدث لا يقتصر على كونه نشاطا تحسيسيا عابرا، بل يؤسس لمرحلة جديدة من التعامل مع المخاطر المهنية، مما يجعله محطة أساسية لإرساء قواعد وقاية أكثر صلابة وفعالية”.
وقالت إن المؤسسة التي تُديرها صادقت على نهج “مقاربة عمودية مبنية على الحوار والتشاور” (Sectorial/Vertical Approach) تهدف إلى الغوص في خصوصيات كل قطاع”، مشددة على أن نجاح هذه المقاربة “رهين بفعالية الشراكة والمشاورات الموسعة مع المهنيين”. وزادت أن “الحوار المستمر مع الفاعلين في الميدان هو السبيل الوحيد لصياغة حلول واقعية وقابلة للتطبيق”.
وفي تشخيصها للواقع، استدلت أمهروق بأرقام هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي (ACAPS)، كاشفة عن تسجيل ما يناهز 4000 حادثة عمل سنويا في المغرب في العقدين الماضيين، لافتة إلى أن هذا الرقم يسائل الجميع ويحتم تضافر الجهود لتخفيض مؤشرات الحوادث وضمان بيئة عمل آمنة للأجراء.
يشار إلى أن “الأيام الجهوية التحسيسية حول الوقاية من المخاطر المهنية” ستتمحور حول مواضيع: “الوقاية من المخاطر المرتبطة بالضوضاء”، و”الوقاية من المخاطر المرتبطة بالإضاءة غير الملائمة”، و”الوقاية من المخاطر المرتبطة بوضعيات العمل الغير السليمة”، و”الوقاية من المخاطر المرتبطة بدرجات الحرارة القصوى”.
المصدر:
هسبريس