أكدت مجموعة من المخرجات السينمائيات أن “النظرة النسائية في السينما لم تعد تُعرَّف بوصفها نقيضا للنظرة الذكورية بقدر ما أصبحت مساحة أوسع لتجارب نساء المنطقة، حيث تتقاطع تحديات المهنة مع الإرث السياسي والاجتماعي والثقافي لكل بلد”، مبرزات أن “حضور المرأة خلف الكاميرا لا يصنع فقط زاوية نظر مختلفة، بل يفتح المجال لبناء خطاب سينمائي أكثر صدقا وشمولا، يعكس عمق التجربة المعاصرة”.
جاء ذلك في جلسة حوارية حول “إعادة تأطير السينما: التنوّع في النظرة النسائية”، منظمة ضمن مهرجان الدوحة السينمائي 2025. وشددت المشاركات في الندوة على أن “السياق المحلي، بما يحمله من استعمار وحروب ونزوح وقيود اجتماعية، يشكّل إطارا للعمل، وأن هذه الخلفيات المتراكمة جعلت من نظرة النساء أداة للتمكين وإعادة تصوير العلاقة بين المرأة وواقعها”.
قالت المخرجة الفلسطينية البريطانية فرح النابلسي، التي رُشّح فيلمها القصير “الهدية” (2020) لجائزة الأوسكار، إن “السينما في الماضي، أو الفنون البصرية التقليدية، تولت تقديم المرأة بوصفها موضوعا للمتعة البصرية بالنسبة للمشاهد الرجل”، معتبرة أن “هذا الوضع صار ينتمي إلى الماضي، وباتت النظرة الأنثوية شكلا تنتشر عبره رؤية المرأة، من خلال السرد، والكاميرا، والنبرة المختلفة أيضا”.
وأضافت النابلسي في مداخلتها أن “مقاربة المرأة للفن السابع لا تتعلق فقط بالشخصيات النسائية التي تتصورها المخرجة، بل بالعمق العاطفي والفهم الداخلي والاختلاف الثقافي الذي تحمله كل صانعة أفلام”، مشيرة إلى أن “هذه التجربة تتشكل من الخلفية التي يولد بها الإنسان وينمو داخلها، بما يجعل منظور المرأة قيمة مضافة للمشهد السينمائي وليس بديلا عن شيء آخر”.
وشرحت المتحدثة ذاتها أن “هذه المقاربة في جوهرها توسيع للإطار السينمائي، وليست محاولة لمعادلة ما هو قائم، لأن التجارب النسائية وطرائق رؤيتها للعالم عناصر أساسية في بناء سينما عالميّة أكثر شمولا”، لافتة إلى أن “مستقبل السينما لا يمكن أن يكتمل من دون الاعتراف الكامل بهذه الزوايا النسائية في النظر والحكي”.
آن ماري جاسر، مخرجة الدراما التاريخية “فلسطين 36″، قالت إن “صانعات وصنّاع أفلام معا يعيشون في عالم تحكمه العقلية الأبوية، ليس في منطقة بعينها، بل في العالم كله، ويتشابكون جميعا هذا الصراع”، مسجلة أن “صناعة السينما في العالم العربي تعدّ أكثر مساواة وإنصافا مما هي عليه في أوروبا أو الولايات المتحدة، حيث تكون معركة المرأة المخرجة مختلفة تماما حين يتم حشرها في صندوق تصورات جاهز”.
وشددت ماري جاسر على أن “القدر واحد”، موردة أنه “في موقع التصوير، يتساوى الجميع دون شعور بأن المسألة تحتاج إلى نضال أو احتجاج”. وتابعت: “أما في المهرجانات في الخارج، فالسؤال يتكرر دائما: كيف تصنعين أفلاما كامرأة عربية؟ والإجابة ببساطة: بالطريقة نفسها التي يتعامل بها زملائي الرجال. نعاني جميعا من غياب التمويل، ومن نقص الإمكانيات”.
كما أشارت إلى أنّ “هناك اليوم دعما ماليا للسّينما في العالم العربي. لقد استغرقتُ ستة أعوام لتمويل فيلمي ‘ملح هذا البحر’ في عام 2008. اليوم، الأمر مختلف تماما”، مسجلة أنها تلقت من الداعمين الغربيين مجموعة من الأسئلة من قبيل: “لماذا تصنعين فيلما عن الحرب والانفجارات؟ هذه مواضيع تهم الرجال فقط”، مضيفة أنه لم يقل لها أي مانح من المنطقة كلاما كهذا.
راوية الحاج، مخرجة فيلم “الخرطوم”، وهو فيلم وثائقي يتابع رحلة خمسة أشخاص في سودان مزقته الحرب، ذكرت أن “دخولها عالم السينما لم يكن يسيرا”، موردة أن “المرأة السودانية تواجه قيودا مجتمعية ثقيلة تجعل من فكرة الالتحاق بالمجال الفني تحديا كبيرا”، مؤكدة أن “الحيف الذي تعانيه النساء في المجتمع السوداني ينعكس مباشرة على فرصهن في العمل، وأن صناعة السينما في السودان صعبة على الجميع، لكنها أكثر تعقيدا أمام النساء نتيجة السلطة الاجتماعية والسياسية”.
وأضافت الحاج أن “تاريخ السينما السودانية بدوره لم ينصف المرأة؛ فعدد المخرجات قليل للغاية، لا بسبب غياب القصص، بل لأن القيود المجتمعية والحكومية منعت النساء من قول ما يرغبن في التعبير عنه بطريقتهن الخاصة”، موردة: “حتى الدخول إلى كلية الدراما والمسرح بالنسبة للفتاة السودانية خطوة محفوفة بالتحديات وتقابله صور نمطية وتوصيفات مجتمعية حادة”.
كما أكدت المخرجة عينها أن “الطريق لا يزال طويلا أمام النساء في السودان ليصلن إلى مكان طبيعي في المشهد السينمائي”، معتبرة في الوقت ذاته أن “السودان، رغم الحرب والمآسي، قد يصبح نموذجا سينمائيا مهما في المستقبل، لكون الجيل الجديد من صانعات الأفلام السودانيات قد يشكّلن نقطة التحول التي تحتاجها البلاد”.
جيهان ألكيخيا، مخرجة فيلم “بابا والقذافي”، الذي يتعقّب رحلة عائلتها بعد اختفاء والدها المعارض للقذافي بداية تسعينات القرن الماضي، قالت إن “هناك قوّة نسائية كانت واعية بداخلها”، وأضافت: “خلال صناعة الفيلم، انتقلت من دور المتلقية إلى دور القوية والمتمكّنة. لكن خيار هذا الفيلم لم يكن مرتبطا بكوني امرأة. أردت أن أُكرّم والدي، وأن أروي قصته، واخترت السينما كوسيلتي للقيام بذلك”.
وأشارت ألكيخيا إلى أنه “أحيانا كثيرة لا يكون المرء واعيا بكونه رجلا أو امرأة. إنه فقط يشتغل ويفكر مثل أي إنسان آخر”، وزادت: “الأمر بهذه البساطة، لأن الإنسان ينغمس في ما يود القيام به بدون انشغال كبير بهويته (الجندرية) طوال الوقت”، ذاكرة أنها “واجهت عقبات حقيقية وصعبة أثناء صناعة فيلمها، حتى على مستوى حياتها الشخصية بوصفها ‘ابنة والدها'”.
ومضت شارحة: “خرجتُ في رحلة أبحث فيها عن استعادة صلتي بوالدي. وطبيعي أن من تواصلت معهم في البحث كانوا رجالا ليبيين من جيل والدي، وعددهم أكثر من النساء”، وتابعت: “تحدّثتُ إلى بعض النساء اللواتي كنّ مهمات في هذا السياق أيضا، لكن العدد الأكبر كان من الرجال، كأنني كنتُ أبحث عن الأب في آباء عديدين. كنتُ بالنسبة لهم ابنة أو حفيدة، بقدر ما كانوا هم آباء أو أجدادا لي. كنا نحاول تضميد شرخٍ بين الأجيال”.
المصدر:
هسبريس