آخر الأخبار

لشكر: تعديلات قانون المحكمة الدستورية تشريع على المقاس وخرق يمس باستقلالية القضاء

شارك

وجه الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الأستاذ إدريس لشكر، انتقادات لاذعة للحكومة بخصوص تدبيرها للمنظومة التشريعية المتعلقة بالقضاء الدستوري، واصفاً التعديلات المقترحة في مشروع القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية بأنها “تشريع على المقاس” يهدد استقلالية القضاء ويخرق مبدأ التجديد الدوري للأعضاء.

وفي كلمة ألقاها خلال اللقاء الدراسي الذي نظمه الحزب، صباح الثلاثاء، حول مستجدات القضاء الدستوري، اعتبر لشكر أن الحكومة تتخبط في مسطرة إخراج القانون التنظيمي للدفع بعدم الدستورية، مشبهاً إياه بـ”الطفل المسجل بتاريخين مختلفين للميلاد” نظراً للارتباك المسطري الذي رافقه.

ونبه زعيم “الوردة” إلى خطورة المادة 14 من مشروع قانون المحكمة الدستورية، التي تفتح الباب لإعادة تعيين أعضاء قضوا أقل من ثلاث سنوات، معتبراً ذلك تحايلاً على الفصل 130 من الدستور الذي يحدد الولاية في تسع سنوات غير قابلة للتجديد، ومحذراً من خلق “ولاءات” قد تمس باستقلالية القضاء الدستوري.

المادة 14.. تشريع “على المقاس” ينسف التجديد الدوري

وجه ادريس لشكر مدفعيته نحو مشروع القانون التنظيمي رقم 36.24 المتعلق بالمحكمة الدستورية، وتحديداً التعديل المقترح للمادة 14، ملفتا أن هذا التعديل يسمح بإعادة تعيين أو انتخاب العضو الذي شغل منصباً شاغراً لفترة تقل عن ثلاث سنوات، وهو ما اعتبره لشكر “خرقاً لروح الدستور”.

وفكك الكاتب الأول خلفيات هذا التعديل، معتبراً أن المادة “صيغت على المقاس” وتخفي نية لتجاوز السقف الدستوري المحدد في تسع سنوات غير قابلة للتجديد. وأوضح أن السماح لعضو بتولي فترة تكميلية (أقل من 3 سنوات) ثم الحصول على ولاية كاملة جديدة (9 سنوات) يعني بقاءه في المنصب لمدة قد تصل لـ 12 سنة، وهو ما ينسف قاعدة “عدم قابلية التجديد”.

ونبه لشكر إلى أن هذا التعديل سيضرب “مبدأ المساواة” بين الأعضاء، حيث سيسمح للبعض بالاستمرار لمدد طويلة بينما يُحرم آخرون لمجرد أنهم قضوا “ثلاث سنوات ويوم واحد” في الفترة التكميلية، والأخطر من ذلك، بحسب لشكر، هو تهديد “استقلالية القضاء”، حيث قد يخلق هذا الاستثناء ولاءات سياسية لدى الأعضاء الراغبين في إعادة التعيين.

خروقات دستورية في القانون

قال إدريس لشكر إن مشروع القانون التنظيمي رقم 36.24 بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 066.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية، رغم ما يتضمنه من مستجدات إيجابية تتعلق بتجويد وتدقيق الصياغة، يثير عدداً من الملاحظات الجوهرية، خصوصاً بشأن المادة 14 التي أضيفت إليها فقرة جديدة تنص على أنه: “لا يمكن للعضو المعين أو المنتخب الذي أكمل الفترة المتبقية من مدة سلفه، إعادة تعيينه أو انتخابه إذا كانت مدة عضويته خلال هذه الفترة المتبقية تفوق ثلاث سنوات، دون إخلال بأحكام الفصل 130 من الدستور”.

واعتبر لشكر أن هذه المادة، خلافاً لما يبدو من منطوقها، “تخفي الكثير”، مشيراً إلى أنها “صيغت على المقاس”، وهو ما قد يترتب عنه خرق الفقرة الثالثة من الفصل 130 من الدستور التي تنص على أن “يتم كل ثلاث سنوات تجديد ثلث كل فئة من أعضاء المحكمة الدستورية».

وأوضح أنه إذا تم تطبيق هذا المقتضى الجديد على أحد أعضاء المحكمة الدستورية الحاليين “فإن ذلك سيؤدي بشكل مباشر إلى الإخلال بقاعدة تجديد الثلث»، بما ينعكس سلباً على الغاية الدستورية من هذا النظام، كما سيؤدي إلى “فقدان التوازن في التجديد بين المعينين والمنتخبين”.

وأضاف لشكر أن الخلفية الدستورية واضحة في هذا الباب، حيث ينص الفصل 130 على أن المحكمة الدستورية تتألف من 12 عضواً يعينون لمدة تسع سنوات غير قابلة للتجديد، موزعين بالتساوي بين المعينين من طرف الملك والمنتخبين من طرف مجلسي البرلمان، مع تجديد ثلث كل فئة كل ثلاث سنوات. كما يشير الفصل 131 إلى ضرورة تحديد كيفية إجراء التجديدين الأولين وكيفيات تعويض من تعذر عليهم إتمام ولايتهم. وتحدد المادة 12 من القانون التنظيمي حالات انتهاء العضوية، بينما تنص المادة 14 في فقرتها الأخيرة على أن العضو الذي يخلف من انتهت ولايته “يكمل الفترة المتبقية من مدة انتدابه”.

وبالتمعن في هذه النصوص، أكد لشكر أنها تقرر أربع قواعد أساسية: عدم قابلية مدة العضوية للتجديد؛ التجديد الدوري كل ثلاث سنوات؛ توزيع الأعضاء عند التعيين الأول إلى ثلاث مجموعات بفترات 3 و6 و9 سنوات؛ وقاعدة ملء الشغور في حالات الوفاة أو العجز أو الاستقالة أو الإعفاء.

وانطلاقاً من ذلك، شدد على أن “القاعدة الدستورية الكلية” تقضي بأن مدة ولاية الأعضاء “غير قابلة للتجديد إطلاقاً”، وأن صياغة هذه القاعدة جاءت قوية جداً، بما يمنع تجديد ولاية أي عضو، بما في ذلك من يُعيَّن أو يُنتخب لإكمال مدة شاغرة.

وأوضح لشكر أن المادة 14 الحالية تمنع بوضوح إعادة تعيين أو انتخاب أي عضو بعد إكمال مدة عضو سابق، لأن ذلك سيؤدي إلى ولاية تتجاوز السقف الدستوري المحدد في تسع سنوات.

وأضاف أن “ما أتى به مشروع القانون التنظيمي من تعديل” يتعارض مع دولة المؤسسات ومع مبادئ الديمقراطية الحديثة التي تقوم على تشريع يخدم المصلحة العامة ولا يُفصَّل على مقاس أشخاص معينين، مؤكداً أن التشريع يجب أن يخضع لمنطق حماية المجتمع وضمان المساواة والتوازن المؤسساتي.

وعرض لشكر واقع تطبيق قاعدة التجديد الدوري عند تأسيس المحكمة، حيث جرى توزيع الأعضاء المعينين من طرف الملك والمنتخبين من طرف مجلسي النواب والمستشارين إلى ثلاث مجموعات بفترات 3 و6 و9 سنوات، مع إجراء التجديد الأول في 4 أبريل 2020 والثاني في 4 أبريل 2023. وأشار إلى أنه خلال التجديد الثاني تم إعفاء رئيس المحكمة المعين لمدة تسع سنوات بسبب تعذر قيامه بمهامه، وتم تعيين عضو جديد يكمل ولايته ويشغل في الوقت نفسه منصب الرئيس.

وأوضح أنه بحلول 4 أبريل 2026 سيكتمل الثلث الأخير من الأعضاء (اثنان من المعينين واثنان من المنتخبين)، وهو ما سيتيح استقرار عملية التجديد بشكل أوتوماتيكي امتثالاً لروح الدستور، إلى غاية اكتمال الدورات المتعاقبة في 2029 وما بعدها.

غير أن لشكر توقف عند “غرابة” توقيت مشروع القانون التنظيمي الجديد، معتبراً أن الحكومة أحالته “قبيل انتهاء ولاية الثلث الأخير ربما لغاية في نفس يعقوب”، وأن مضمون المشروع يبدو وكأنه مجرد تعديلات تقنية، لكنه في العمق يسعى إلى تمرير تغيير جوهري “بطريقة خفية” تحت غطاء تتميمات بسيطة لا ضرورة لها.

وبشأن التغيير الذي طال الفقرة الأخيرة من المادة 14، أكد لشكر أن النص الجديد الذي يسمح بإعادة التعيين أو الانتخاب لمن أكمل أقل من ثلاث سنوات من مدة سلفه، “مخالف للدستور”، موضحاً أن ذلك يخرق روح النص الدستوري، لأنه يؤدي إلى تثبيت بعض الأعضاء لمدة تتجاوز تسع سنوات، وهي مدة محظورة دستورياً، مؤكدا أن التعديل يسمح بتراكم مدد جزئية مع ولاية كاملة، وهو “تحايل” يضعف مبدأ التجديد الدوري كما يشكل في نظره خرقاً لمبدأ المساواة، وفق تعبيره.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا