في سابقة رقمية وُصفت بـ”الزلزال”، تحول تحديث تقني عابر أطلقته منصة “إكس” (تويتر سابقا) إلى أداة كشف فاضحة لواحدة من أكبر عمليات التضليل الممنهج التي استهدفت المغرب لسنوات.
التحديث الذي أتاح إظهار الموقع الجغرافي للحسابات، أسقط ورقة التوت عن شبكات واسعة من الحسابات الوهمية التي كانت تدعي “المغربة”، ليكتشف الرأي العام أنها تُدار من خارج الحدود، وتحديدا من الجزائر.
وبمجرد تفعيل خاصية تحديد الموقع، تفاجأ رواد الفضاء الأزرق بحقيقة صادمة؛ مئات الحسابات التي دأبت على انتقاد الأوضاع في المغرب، وانتحال صفة مواطنين من أحياء شعبية في الدار البيضاء، طنجة، أو فاس، ظهرت إحداثياتها الحقيقية في مدن جزائرية مثل وهران، عنابة، تيزي وزو، بالإضافة إلى مخيمات تندوف.
ودحضت هذه الحقيقة التقنية سنوات من الادعاءات بأن هذه الحسابات تمثل “حراكا افتراضيا داخليا”، حيث تبين بالدليل القاطع أن مصدر التدوين لم يكن يوما من سيدي مومن أو بني مكادة، بل من غرف عمليات تقع خلف الحدود الشرقية، وبعضها يمتد إلى دول في أوروبا الشرقية، مما يشير إلى وجود شبكة ممولة ومنظمة عابرة للقارات.
وأماطت هذه الواقعة اللثام عن مستوى متقدم من “الخبث الرقمي” الذي انتهجته هذه الشبكات، حيث لم يكن هجومها عشوائيا بل عملية معقدة اعتمدت أساسا على التمويه اللغوي المتقن. فقد نجح القائمون على هذه الحسابات في انتحال الهوية المغربية عبر إتقان اللهجة الدارجة واستخدام الأمثال الشعبية والمصطلحات اليومية بدقة، مما مكنهم من اختراق النقاش العمومي واكتساب مصداقية مزيفة.
ولم تتوقف خطتهم عند هذا الحد، بل ركزوا على العزف على أوتار القضايا الحساسة كغلاء الأسعار وسوء الخدمات والفساد لتأجيج الغضب الشعبي، مع اعتماد توقيت مدروس لشن هجماتهم؛ إذ كانت هذه الحملات تتزامن دائما وبشكل مريب مع النجاحات الدبلوماسية التي يحققها المغرب، لاسيما في ملف الصحراء، بهدف التشويش على الإنجازات الوطنية وصرف الانتباه عنها.
وفور افتضاح أمر الموقع الجغرافي، رصد المراقبون حالة من “الهلع الرقمي” ضربت صفوف هذه الكتائب الإلكترونية، مما أدخلها في دوامة من الارتباك والهروب الجماعي.
وتجلى ذلك بوضوح في حملات الحذف المسعورة التي طالت آلاف التغريدات والمنشورات المحرضة في غضون ساعات قليلة، في محاولة يائسة لطمس معالم الجريمة الإلكترونية.
ولم يقتصر الأمر على الحذف، بل لجأ الكثيرون إلى تغيير هويات الحسابات وأسمائها وصورها بشكل مفاجئ، قبل أن يسود “صمت مطبق” وتتحول صفحات كانت تعج بالنشاط العدائي إلى مساحات مهجورة تماما؛ وهو ما قدم دليلا قاطعا على أن هذه الأصوات لم تكن تعبر يوما عن أفراد حقيقيين أو رأي عام، بل كانت مجرد “وظيفة” يؤديها أشخاص ضمن حملة دعائية منظمة انتهت بانتهاء تسترهم.
وأكدت التحليلات أن هذه العملية لم تكن عشوائية، بل تندرج ضمن “حروب الجيل الرابع” التي تستهدف إحداث شرخ بين المواطن ومؤسسات دولته.
وكان الهدف الاستراتيجي لهذه الحسابات خلق حالة من “الإحباط العام” واليأس، وتزييف الوعي الجمعي للمغاربة عبر الإيحاء بوجود سخط شعبي عارم، بينما هو في الواقع سخط “مستورد” ومصنوع في مختبرات إلكترونية خارجية.
المصدر:
العمق