شدد رئيس الفريق النيابي للتقدم والاشتراكية، رشيد حموني على أن أهمية موضوع الأدوية ليست وليدة اليوم، بل ظل حاضرا بقوة داخل اللجان البرلمانية في الولايات السابقة، مستشهدا بمهام استطلاعية أنجزت في 2015 و2019 و2020، وأسهمت توصياتها في الدفع نحو إخراج الوكالة الوطنية للأدوية.
واعتبر حموني خلال اجتماع لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، اليوم الأربعاء، أن إصلاح المنظومة الصحية لا يختزل في الأدوية ولا في بناء المستشفيات فقط، بل يتطلب مراجعة شاملة تستغرق وقتًا طويلًا: “الإصلاح الحقيقي للمنظومة ماشي مسألة عام ولا عامين… هذا ورش كبير وكيحتاج الوقت”، وفق تعبيره.
وتوقف حموني عند نتائج المهام الاستطلاعية السابقة التي شارك فيها، مشيرا إلى أنها كشفت “اختلالات خطيرة جدًا” داخل مديرية الأدوية سابقًا، قبل إحداث الوكالة، قائلاً بصراحة: “كان الخواض… كان التسيّب.”
وأضاف أن هذه الاختلالات مست جوهر مهام المديرية في مراقبة الأدوية وتتبع الملفات، حيث كان المختبرات تودع ملفاتها بشكليات تقليدية ودون منظومة معلوماتية تضمن التتبع والشفافية، وهو ما فتح الباب للتلاعبات، حسب قوله.
وقال رئيس الفريق النيابي للتقدم والاشتراكية، إن غياب نظام رقمي واضح كان يسمح بمرور ملفات على حساب أخرى، داعيًا إلى اعتماد منظومة معلوماتية تمكن المختبرات من تتبع مسار ملفاتها، وتمنع التلاعب والتأخير غير المبرر.
وأكد حموني أن السياسة الدوائية يجب أن تعتمد على “الدواء الجنيس والسيادة الوطنية”، مذكرًا بما وقع في جائحة كورونا عندما واجهت الدول نقصًا في مواد أساسية مثل “فيتامين سي” و”الزنك”، مما أبرز الحاجة الماسة إلى الإنتاج المحلي.
وقال إن الدواء الجنيس يخفف الكلفة على صناديق التغطية الصحية وعلى المواطنين، مضيفًا: “اليوم كاين أدوية جنيسة، ولكن المواطن كيمشي ياخذ الدواء الأصلي وكيخلص من جيبو 50 ولا 60 في المية… وهذا ما بقاتش تغطية صحية.”
وفي تعليقه على الجدل الأخير حول دواء معيّن، قال حموني إن الإشكال لا يتعلق بمنتج واحد أو بشركة معينة، بل هو تجلٍّ لاختلالات بنيوية في سياسة الأدوية بالمغرب، مضيفًا أن مناقشة المنظومة يجب أن تقوم على معطيات واضحة: “المشكل ماشي في دواء واحد… المشكل في المنظومة كلها.”
وتوقف حموني مطولا عند مسألة الاستيراد، كاشفا أن فاتورة استيراد الأدوية ارتفعت من 5.1 مليار درهم سنة 2014 إلى 13.1 مليار درهم سنة 2021، أي بزيادة تتجاوز 175%. وطرح سؤالًا مباشرًا: “واش غاديين نحو السيادة الدوائية وصناعة محلية حقيقية… ولا نحو تشجيع الاستيراد؟”
وبيّن أن الاستيراد المفرط له انعكاسات سلبية على السيادة الدوائية، والموارد الضريبية، وخروج العملة الصعبة بطرق احتيالية. وقدم مثالًا عن تلاعبات تتعلق بفوترة الأدوية المستوردة، حيث يتم تضخيم السعر في الفاتورة الخارجية، مما يسمح بتحويل العملة الصعبة إلى الخارج: “دواء كيدير 100 درهم في الخارج كيدخل بفاتورة 400 درهم… وفي المغرب كيتباع بـ500 درهم.”
وانتقد حموني ما وصفه بغياب مراقبة حقيقية للأدوية المستوردة قبل الترخيص لها، قائلاً إن بعض الدول تفرض فحصًا معمقًا على الأدوية الأجنبية قبل السماح باستيرادها، بينما في المغرب “كنمشيو نجيبوه بحال كنجيبو البصلة”، موضحا أن مختبرات أجنبية تخضع لفحوص مديدة داخل دول أخرى قبل السماح بدخول منتجاتها، بينما المسطرة في المغرب أكثر تساهلاً.
وقدم حموني أمثلة عن الفوارق الكبيرة بين أسعار بعض الأدوية في المغرب ونظيراتها في فرنسا وبلجيكا، مستشهدًا بأدوية تصل زيادة أسعارها في السوق الوطنية إلى 111% مقارنة مع فرنسا، مؤكدًا أن هذه الفوارق تنشر بشكل دوري في الصحافة.
وأشار إلى أن اختبارات التكافؤ الحيوي (Bioéquivalence) غير معممة بعد، رغم أنها ضرورية لضمان نجاعة الدواء، موضحًا أن هذه الاختبارات مكلفة، ما يدفع بعض الشركات إلى تجنبها، وهذا يشكل خطرًا على السلامة الصحية.
وذكر حموني أن المغرب ما يزال متأخرًا عن دول وصلت إلى 80% من استعمال الدواء الجنيسة، مضيفًا أن رفع نسبة استعماله يمكن أن يوفر أكثر من 60% من المصاريف الحالية لصناديق الحماية الاجتماعية، في ظل وجود “ثقب تمويلي” يستدعي حلولًا مستعجلة لضمان الاستدامة.
المصدر:
العمق