تعيش النقابة الوطنية للصحافة المغربية، الهيئة التاريخية والأكثر تمثيلية للصحفيين في المملكة، على وقع أزمة متعددة الأوجه تهدد وحدتها وتطرح تساؤلات حول دورها في الدفاع عن المهنة ومنتسبيها، فبين تصدعات داخلية وصلت حد إقالة / انسحاب قياديين وتجاذب حاد مع الحكومة واللجنة المؤقتة المسيرة للمجلس الوطني الصحافة، تجد النقابة نفسها في عاصفة من المشاكل المتعددة.
وتشير مصادر من داخل المكتب التنفيذي إلى وجود “تصدّعات داخلية” لم تعد صامتة، إذ أقدم أعضاء قياديون على مقاطعة اجتماعات الهيئة التنفيذية احتجاجا على ما وصفوه بـ “تدابير” تسيير النقابة الانفرادي، حيث تجسد هذا الانقسام في إعلان يونس مجاهد، عضو المجلس الوطني الفيدرالي للنقابة ورئيس اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون المجلس الوطني للصحافة، انسحابه التنظيمي من النقابة في نونبر 2025.
وعزا مجاهد قراره إلى “خرق القانون الأساسي للنقابة” فيما يتعلق بآجال انعقاد المجلس الوطني الفيدرالي وعدم إحداث لجنتي الأخلاقيات والتحكيم والمراقبة المالية، معتبرا أن هذه الخروقات تجرد القرارات المتخذة من شرعيتها، مشيرا إلى أن خلافه الأساسي مع رئيس النقابة يتمحور حول عدم احترام القانون والالتزامات المتعلقة بالحكامة والشفافية المالية.
وفي المقابل، قالت مصادر أخرى، تحديث إليها جريدة “العمق”، إن النقابة هي من بادرت إلى تجميد وضعية يونس مجاهد، عضو المجلس الوطني الفيدرالي، وإحالته على لجنة الأخلاقيات للنظر في المنسوب إليه، بسبب “تنكره” لتاريخ النقابة ولرمزيتها داخل المشهد الإعلامي الوطني، بالإضافة إلى”تجاوزه الخطير لمبادئ العمل النقابي، وميله نحو تبني توجه الحكومة والجمعية الوطنية للإعلام والناشرين بشأن مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة”.
وأضافت المصادر ذاتها، أن استهداف مجاهد للعمل النقابي الذي بموجبه تولى رئاسة المجلس الوطني للصحافة، بلغ حد استهداف النقابيين في مشروع قانون يهدف لإبعاد ممثلي النقابات المهنية للصحافة من أي دور قيادي في المجلس الوطني للصحافة على حساب فئة الناشرين، حيث اقترح المشروع 9 مقاعد لفئة ممثلي الناشرين و7 فقط لممثلي فئة الصحافيين، وهو الشيء الذي رفضته النقابة الوطنية للصحافة المغربية بشدة، حيث تم تجميد مشروع القانون المذكور.
وفي السياق ذاته، اتهمت مصادر أخرى تحديث إليها الجريدة رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية عبد الكبير اخشيشن، بتدبير شؤون النقابة بشكل انفرادي أو برفقة مقربين منه فقط، بينهم نقابيين عن القطب الإعلام العمومي، في حين تم استبعاد ممثلي القطاع الخاص سواء من صحافة الكترونية أو ورقية من أي دور داخل النقابة منذ ترأسه للنقابة أواخر سنة 2023.
وعابت المصادر على اخشيشن، عدم تحقيقه لأي مكسب لفائدة صحافي الصحافة الورقية والالكترونية، في مقابل تحقيق مكاسب مادية مباشرة لصحفيي القطب العمومي عبر الزيادة في أجورهم، في حين ظلت أجور الصحافيات والصحافيين المهنيين بالقطاع الخاص مجمدة رغم توقيع اتفاق اجتماعي بين النقابة الوطنية للصحافة المغربية والجمعية الوطنية للإعلام والناشرين سنة 2023.
وخلصت مصادر الجريدة إلى أن الصراع داخل النقابة الوطنية للصحافة المغربية يتمركز حول إيجاد موطئ قدم في تشكيلة المجلس الوطني للصحافة المقبل، حيث يطمح الرئيس الحالي عبد الكبير أخشيشن إلى رئاسة المجلس أو على الأقل إلى الحصول على منصب قيادي، في حين، يسعى خصماه، يونس مجاهد وعبد الله البقالي، إلى قطع الطريق عليه عبر التحالف الاستراتيجي مع الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، التي يرأسها إدريس شحتان، وذلك للحفاظ على نفوذهما وضمان استمراريته في قيادة المجلس.
وتكشف المصادر أن النزاع بأسره يتركز على صراع على “الكراسي”، حيث تطغى الطموحات الشخصية والمصالح الضيقة على كل ما عداها. في المقابل، تتوارى القضايا الجوهرية، التي يفترض أن تشكل جوهر أي عمل نقابي، خلف معركة تحسين الأوضاع المادية والاجتماعية للصحافيين. كما تغيب أولوية معالجة الانحرافات المهنية الخطيرة التي هزت القطاع، والتي أبرزتها أزمة “جيل زيد”، مما يعكس بوضوح أجندة جميع الأطراف المتصارعة، سواء في قيادة النقابة الحالية أو في التشكيلة المرتقبة للمجلس الوطني للصحافة.
إلى ذلك، اتخذ الصراع بعدا آخر في علاقة النقابة مع الهيئات الرسمية، وتحديدا “اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر”، حيث وصل الخلاف ذروته مع إعلان النقابة طعنها في شرعية بطاقة الصحافة المهنية لسنة 2025، بسبب تغييب النقابة عن لجنة دراسة ملفات طلبات الحصول على البطاقة، وهو ما اعتبرته تأويلا خاطئا للقانون.
ونددت النقابة بما وصفته بـ “غياب الشفافية والتمييز” في معالجة الملفات، مشيرة إلى حجم الشكايات اليومية التي تتوصل بها بخصوص رفض منح البطاقة دون مبررات قانونية واضحة، منتقدة عمل لجنة الأخلاقيات والتأديب التابعة للجنة المؤقتة، معتبرة أن معالجتها لملفات تأديبية بحق صحفيين شابتها خروقات قانونية ومسطرية وعكست “نية انتقامية”.
على صعيد أخرى، تتهم النقابة الوطنية للصحافة المغربية الحكومة بـ “التجاهل” المتعمد لمقترحاتها في مشاريع القوانين الجديدة المتعلقة بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة والنظام الأساسي للصحافيين المهنيين، معربة عن امتعاضها من استبعاد مقترحاتها وتضمين المشاريع مواد تناقض مطالبها، مثل توسيع عدد الناشرين وتجميد حصة الصحافيين.
وإلى جانب هذه الصراعات الهيكلية، لا تزال المطالب الاجتماعية والاقتصادية للصحافيين تشكل حجر الزاوية في عمل النقابة، حيث انتقدت مؤخرا القرارات الحكومية المرتبطة بتدبير الدعم العمومي للقطاع، معتبرة أنها أقصت المقاولات الصغرى والمتوسطة وكرست التمييز بين الصحافيين في الأجور.
وفي ظل هذه التحديات المتشابكة، من الانقسامات الداخلية إلى الصراع مع السلطات والمطالب الاجتماعية الملحة، تجد النقابة الوطنية للصحافة المغربية نفسها عند مفترق طرق حاسم، يختبر قدرتها على الحفاظ على وحدتها وفعاليتها كصوت موحد للدفاع عن الصحافة والصحافيين في المغرب.
المصدر:
العمق