أكد عمر مزواضي، رئيس المرصد الشبابي لتتبع وتقييم السياسات العمومية، أن الديناميات الاحتجاجية الجديدة التي يقودها “جيل Z” في المغرب تتميز بشكل جوهري عن حركة 20 فبراير، مدفوعة بخصائص فريدة أبرزها اللامركزية الكاملة التي تفرضها وسائل التواصل الاجتماعي، والارتباط الوثيق بقضايا اقتصادية واجتماعية ملحة.
وأوضح مزواضي أن السمة الأبرز لاحتجاجات الجيل الجديد هي غياب القيادات والهياكل التنظيمية التقليدية، على عكس حركة 20 فبراير التي كانت قياداتها وتنسيقياتها معروفة نسبيا. وأشار إلى أن هذه الطبيعة اللامركزية المفرطة تجعل الحراك عصيا على الاحتواء أو التفاوض بالطرق التقليدية، ولكنه في المقابل يجعله عرضة للاختراق، حيث يصعب تحديد من يقف وراء الدعوات ومن يوجهها في الفضاء الرقمي المفتوح.
وأكد المتحدث ذاته أن الشباب كانوا وسيظلون المفتاح الأساسي لأي حراك اجتماعي أو احتجاجي، ليس فقط في المغرب بل على مستوى العالم، مرجعا ذلك إلى عاملين رئيسيين.
وتابع أن العامل الأول نفسي، حيث إن الشباب أقل ارتباطا بالالتزامات المادية والقضايا الأسرية، وأكثر التصاقا بعالم الأفكار والمثل والرغبة في التغيير والثورة على الواقع.
وأضاف أن العامل الثاني ديموغرافي، مستندا إلى نظريات تربط بين التحولات السياسية والتركيبة السكانية. وأشار إلى أن المجتمعات التي تتجاوز فيها نسبة الشباب المتعلم 50% تكون مهيأة للدخول في اضطرابات سياسية واحتجاجات.
ولفت مزواضي خلال ندوة فكرية نظمها المنتدى السياسي الثامن لشبيبة الـ”PJD” حول “الديناميات الاحتجاجية بالمغرب بين شباب 20 فبراير وجيل Z” إلى أن المغرب يعيش حاليا هذا التحول الديموغرافي، الذي يتميز بانتشار التعليم، وتأخر سن الزواج، وانهيار نسب الخصوبة، وهي سمات تجعل الكتلة الشبابية قوة تغيير كامنة.
وأفاد رئيس المرصد الشبابي لتتبع وتقييم السياسات العمومية، بأن هذه القاعدة الديموغرافية تتفاعل مع إشكاليات اقتصادية واجتماعية عميقة، وعلى رأسها بطالة الشباب. واستشهد في هذا السياق بتقرير سابق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول فئة الشباب “NEET” الذين لا يزاولون أي عمل أو تعليم أو تدريب، والذين قدر عددهم بمليون ونصف مليون شاب مغربي، واصفا وضعيتهم بأنهم في حالة عطالة كاملة.
وذكر عمر مزواضي أن الفارق الجوهري بين جيل 20 فبراير وجيل Z يكمن في علاقة كل منهما بالتكنولوجيا. وبيّن أن حركة 20 فبراير تزامنت مع بدايات انفجار وسائل التواصل الاجتماعي، بينما نشأ جيل Z في قلب هذا العالم الرقمي، مما جعل ارتباطه به وجوديا، حيث أصبح الفيديو القصير ولغة المنصات الرقمية أداته الأساسية في التعبير والتعبئة.
ولفت مزواضي الانتباه إلى أن حراكات جيل Z، رغم أنها غالبا ما تبدأ بمطالب اجتماعية محددة كالصحة والتعليم، إلا أنها سرعان ما تتطور لتشمل قضايا بنيوية أعمق تتعلق بالحريات والديمقراطية والإصلاح السياسي. واعتبر أن الشباب المحتج يتعلم ويزيد وعيه خلال مسار الاحتجاج نفسه، فيدرك أن المشاكل القطاعية هي في الحقيقة مظاهر لإشكاليات أعمق في بنية الحكم والسياسات العمومية.
وختم مزواضي بالتأكيد على الدور الذي يمكن أن تلعبه الهيئات التقليدية، من أحزاب ونقابات وتنظيمات شبابية، في “ترشيد” هذه الحراكات وتوجيهها نحو تحقيق مكاسب مستدامة، مشددا على أهمية “النضال البارد” والنفس الطويل. وحذر من أن الطبيعة السريعة لهذه الاحتجاجات، التي تشتعل وتنطفئ بسرعة، قد تؤدي إلى إحباط الشباب إذا لم تحقق نتائج فورية، مؤكدا أن الإصلاح عملية تراكمية تتطلب وقتا وجهدا مستمرين لتجنب عودة الاحتجاجات بشكل أكثر حدة في المستقبل.
المصدر:
العمق