كشف المحجوب السالك أحد مؤسسي البوليساريو والمنسق العام لتيار “خط الشهيد” المعارض، عن خبايا العلاقات التي نسجتها جبهة البوليساريو خلال مرحلة تأسيسها مع كل من ليبيا والجزائر، مسلطا الضوء على ما وصفه بـ”تحوّل الثورة من حركة تحرر إلى أداة في يد المخابرات الجزائرية”.
وقال السالك، خلال حلوله ضيفا على برنامج “نبض العمق”، إن العقيد الليبي الراحل معمر القذافي لم يكن مؤمناً حقيقةً بالقضية الصحراوية، بل كان يسعى إلى توظيفها لخدمة مشروعه الإقليمي.
وأوضح: “القذافي كان يريد منا قوة عسكرية مسلّحة ثورية تضرب الأنظمة التي لا تعجبه، ليس فقط في موريتانيا أو تونس أو المغرب، بل حتى في الجزائر نفسها، غير أن الولي مصطفى السيد، أحد قادة الجبهة آنذلك، استطاع أن يدير لقاءً بين خصمين، هما الجزائر وليبيا رغم التوتر القائم بينهما”.
وأضاف السالك أن القذافي حاول استغلال البوليساريو لتصفية حساباته مع الأنظمة التي يصفها بـ”الرجعية”، إلا أن قيادة الجبهة في بداياتها كانت تتحكم في قراراتها.
وتابع: “في تلك المرحلة لم نكن نهاجم المغرب، بل كانت معركتنا ضد الاستعمار الإسباني، القذافي زوّدنا بالسلاح لنقاتل إسبانيا، وقد استخدمنا ذلك السلاح فعلاً في 20 ماي 1974، وهاجمنا مواقع الجيش الإسباني، وأطلقنا عليهم النار بالرشاشات، حين وصل الإسبان وجدوا ظرفاً مكتوباً عليه ’72 ساعة‘، وبدأت الإشاعة بأن البوليساريو تمتلك أسلحة متطورة، وهو ما استغليناه لصالحنا في حرب التحرير”.
وأوضح السالك أن الزعيم الليبي كان يريد تحويل البوليساريو إلى أداة لتجميع المعارضين من كل دول المنطقة، قائلاً: القذافي قال للولي إنه يريد أن يجعل البوليساريو نقطة ثورية تضم المغاربة والتونسيين والموريتانيين المعارضين لأنظمتهم. فأجابه الولي: لا، المغرب شعب ونظام ملكي، ونحن لا نتدخل في هذا الأمر. ما يعنينا فقط هو إخراج الاستعمار الإسباني من الساقية الحمراء ووادي الذهب”.
وأكد السالك أن الولي مصطفى السيد “لم يكن يخضع لا للقذافي ولا للجزائريين، وكان يتخذ قراراته باستقلالية تامة”، لكن، بعد استعمال أسلحة ليبية ضد الإسبان، بدأت الشكوك تحيط بعلاقة الجزائر بالبوليساريو، وفق تعبيره.
وأضاف: “احتجت إسبانيا على الجزائر واتهمتها بتزويدنا بأسلحة حديثة، فأنكرت الجزائر ذلك، لكن الحادثة جعلت ضابط المخابرات الجزائري قاصدي مربح يرفع تقريراً مباشراً إلى بومدين، يؤكد فيه أن البوليساريو باتت تملك أسلحة متطورة. حينها أرسل بومدين طائرة خاصة من بوفاريق إلى تندوف لاستدعاء الولي مصطفى السيد على وجه السرعة.”
ويروي السالك تفاصيل اللقاء بين الولي وبومدين قائلاً: قال لي الولي إنه عندما دخل على بومدين سأله مباشرة: من أين أتيت بالسلاح؟ فأجابه: أنا أحارب قوة استعمارية إسبانية، وأي مكان فيه سلاح سأجلبه ولو كان مع الشيطان، ثم قال له بومدين: لا تذهب بعد الآن إلى القذافي، سأدرب رجالكم وأسلحهم هنا. وهكذا بدأت أول دفعة تدريب شكلت نواة ما سيعرف لاحقًا بجيش التحرير الصحراوي”.
وعن الموقف الجزائري من ليبيا، قال السالك إن الجزائر كانت تدرك مبكراً أن القذافي يسعى إلى بسط نفوذه على المنطقة، لذلك قررت أن تسبق ليبيا في الإمساك بملف البوليساريو.
وأردف: “الجزائر كانت تعلم أن ليبيا تريد السيطرة، فقالت: بدلاً من أن نتركها لهم، نحن نعطيهم السلاح ونأخذ منهم الملف، ومع ذلك، استغلّ القذافي الولي والجزائر والبوليساريو لخدمة مصالح الصحراويين حيناً، ولمصالحه الخاصة أحياناً أخرى، لكن عندما توفي الولي، تغيّرت كل المعادلات، لأن وفاته كانت في صالح الجزائر من حيث لم تكن تحتسب”.
وانتقل السالك إلى الحديث عن مرحلة ما بعد مقتل الولي مصطفى السيد، مؤكداً أن الجزائر استغلت الفراغ القيادي داخل الجبهة لتفرض سيطرتها الكاملة عليها، قائلاً: بعد وفاة الولي، جاءت الجزائر بمحمد عبد العزيز، وهو من مواليد تندوف ويحمل وثائق جزائرية، وكان مجرد ممثل للبوليساريو هناك، ولم يكن من النخبة ولا من أعضاء اللجنة التنفيذية. ورغم ذلك، فرضته الجزائر أميناً عاماً للجبهة، ومن هنا بدأت سيطرة المخابرات الجزائرية على القرار الصحراوي”.
وكشف السالك أنه اعتُقل ست سنوات بعد استشهاد الولي لأنه كان من رفاقه المقربين، وقال: لم أحضر المؤتمر الثالث للجبهة بسبب اعتقالي. وبعد انتخاب محمد عبد العزيز، جاءني في السجن وقال: ’أنا الآن الأمين العام ويجب أن تعود للعمل. سألته: ’ولماذا اعتُقلت؟‘ فأجاب: ’المسؤولون لا يهمونني، المهم هي اللجنة التنفيذية‘. لم نفهم في ذلك الوقت أن القضية تحولت من ثورة تحرير إلى ورقة سياسية في يد الجزائر”.
وتحدث السالك بحرقة عن ظروف الاعتقال والتعذيب في السجون السرية التابعة للبوليساريو والمخابرات الجزائرية، قائلاً: “حين اعتُقلت وتعرّضت للتعذيب، لم يسألوني عن الثورة أو القيادة أو كيف نحرر أرضنا، بل كانت الأسئلة كلها تدور حول موقفي من الجزائر والمغرب: لماذا تريدون التقارب مع المغرب؟ ولماذا ترفضون الجزائر؟ عندها أدركت أن القضية لم تعد قضية تحرير، بل أصبحت وسيلة تُستخدم ضد المغرب لخدمة مصالح الجزائر”.
وتابع: في دهاليز السجون السرية للمخابرات الجزائرية، في السجن الرهيب المعروف بـ”سجن الرشيد” الواقع شرق مخيمات السمارة بحوالي 15 كيلومترًا، تأكدت أن الثورة فقدت قدسيتها ونبلها وطهارتها، وتحولت إلى بيدق في يد الجزائر ومخابراتها قبل أن تخدم مصالح الصحراويين أنفسهم”.
المصدر:
العمق