آخر الأخبار

العلنية تعيد الحيوية إلى البرلمان.. نقاشات المالية أمام أنظار المغاربة

شارك

تميّز تقديم ودراسة مشروع قانون المالية والميزانيات الفرعية للوزارات برسم سنة 2026 باعتماد “البث المباشر” لأشغال اجتماعات اللجان الدائمة بمجلس النواب، ما مكّن الرأي العام المغربي من متابعة تفاصيلها.

وجرى اللجوء إلى هذه الخطوة استنادًا إلى مضمون المادة 128 من النظام الداخلي لمجلس النواب، في استثناءٍ اعتُمد أيضًا خلال مرحلة “كوفيد-19″، ولاسيما أن اجتماعات اللجان الدائمة بالمجلس تظلّ سرّية، كقاعدةٍ، بموجب الفصل 68 من دستور المملكة.

وأتاحت هذه الخطوة فرصة متابعة النقاشات التي دارت خلال الأيام الماضية بين النواب البرلمانيين وأعضاء الحكومة، في ظل تمسّك كل طرف بالسردية التي تعكس موقعه السياسي، وذلك بعد أسابيع فقط من نقاشٍ مجتمعي وضع المؤسسات أمام أسئلة الانفتاح على الرأي العام.

وحفّز “البثّ المباشر” أيضًا حدوثَ “صدامات” بين النواب البرلمانيين والوزراء بخصوص تدبير بعض الملفات، ولاسيّما تلك المتعلّقة ببعض القطاعات الاجتماعية، في استحضار من الطرفين لاقتراب انتهاء آخر سنة من الولاية الحكومية الحالية.

وابتداءً من يوم الجمعة ستتواصل أشغال اللجان الدائمة بالغرفة البرلمانية الأولى، التي ستشهد تقديم ومناقشة مشاريع ميزانيات مؤسسات دستورية، مع فتح باب تقديم التعديلات حول مشروع قانون المالية لسنة 2026.

وشهدت لجنة المالية والتنمية الاقتصادية نقاشا بين المعارضة والحكومة حول المادة الرابعة من مشروع هذا القانون. وتتضمن هذه المادة توجّها نحو تطبيق تخفيضات في رسوم استيراد مجموعة من المنتجات الصيدلانية والدواء، مع رفع رسوم أخرى؛ وهو النقاش الذي مازال ينتظر توضيحات مسؤولين من الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية.

“دعمٌ للانفتاح”

عبد العالي بنلياس، أستاذُ العلوم السياسية والقانون الدستوري بكلية السويسي بالرباط، ذكر أن “اجتماعات ودورات البرلمان بمجلسيه مؤطَّرة بمقتضيات الدستور والأنظمة الداخلية للمجلسين، فيما كان الدستور واضحًا بشأن علنية وسرّية الجلسات”.

وأشار بنلياس، في تصريحٍ لهسبريس، إلى أن “الفقرة الأولى من الفصل 68 من الدستور أكّدت على مبدأ علنية الجلسات العامة للمجلسين، مع إمكانية عقد جلسات سرّية بطلبٍ من رئيس الحكومة أو بطلبٍ من ثلث أعضائه؛ أمّا بالنسبة للجان الدائمة فالقاعدة تشير إلى سرّية الجلسات، والاستثناء هو العلنية وفق ضوابطَ وحالات محددة”.

ومضى المتحدث شارحًا أن “عقد جلسات علنية للجان الدائمة يتم وفق النظام الداخلي لمجلس النواب، خصوصًا المادة 128 منه، التي حدّدت الجهات التي بإمكانها تقديم طلبٍ في هذا الصدد، وأيضا الحالات التي يمكن خلالها عقد هذه الجلسات”.

ويشير المصدر ذاته إلى الحالات التالية: “الأولى تتعلّق بموضوعٍ طارئٍ وعاجلٍ يقتضي إلقاء الضوء عليه، والحالة الثانية تهمّ التقديم والمناقشة العامة للنصوص التشريعية، في حين تخصّ الحالة الثالثة موضوعًا رقابيًا يستأثر باهتمام الرأي العام الوطني”.

ولاحظ الأستاذ الجامعي عينه أن “بثّ جلسات اللجان الدائمة لا يخرج عن الحالات التي حدّدها النظام الداخلي لمجلس النواب، ولا يُعتبر أيضًا خروجا عن مبدأ سرّية الجلسات، الذي يُعدّ الأصل، في حين تُعتبر العلنية استثناءً ما دامت تدخل ضمن الحالة الثانية المتعلّقة بتقديم وعرض التصورات التشريعية”.

وفي جميع الحالات، يورد بنلياس، فإن “اتجاه مجلس النواب إلى رفع السرّية عن جلسات اللجان الدائمة، في الحدود التي رسمتها المادة 128 من النظام الداخلي لمجلس النواب، التي صرّحت المحكمة الدستورية بمطابقتها للدستور، يُعدّ انفتاحًا للمجلس على المجتمع وإشراكًا له في متابعة مناقشات السياسات العمومية التي تنوي الحكومة تنفيذها من خلال مشروع قانون المالية”.

وفي نظر المتحدث فإن هذه الخطوة “تُعتبر مناسبةً كذلك للأغلبية والمعارضة لمناقشة مشاريع القطاعات الحكومية المختلفة، وفرصةً للأغلبية للدفاع عن منجزاتها، ومناسبةً للمعارضة لإثارة انتقاداتها للحكومة وفشلها في تدبير عدد من القطاعات، خصوصًا الاجتماعية منها”، وزاد: “حتى بعض مكونات الأغلبية تحاول أن تتخلّص من التبعات السلبية للتدبير الحكومي وتُلصقها بالحزب الذي يقود الحكومة”.

“نقاشٌ عمومي”

من جهته يعتقد رشيد لزرق، أستاذُ العلوم السياسية، أن “هذا التوجّه يُعزّز مبدأ الشفافية في العمل البرلماني، ويُقرّب المواطنين من النقاشات التقنية والسياسية التي تظل عادةً حكرًا على الدوائر المغلقة”.

وأكد لزرق لهسبريس أن “البرلمان، بهذا المعنى، يتحوّل من فضاءٍ تمثيليٍّ مغلقٍ إلى ساحة نقاشٍ عموميٍّ مفتوح، بما يدعم الرقابة الشعبية ويعيد بناء جسور الثقة مع المجتمع، خصوصًا في سياقٍ يعرف توترًا اجتماعيًا وتناميًا لمشاعر عدم اليقين تجاه أداء المؤسسات”.

وذكر الجامعي ذاته أن “هذا الانفتاح يمكن أن يشكّل أداةً بيداغوجيةً مهمة لشرح الخيارات الميزانياتية وتبريرها، ولاسيّما في لحظةٍ تعرف احتقانًا شعبيًا؛ كما أنه يُبرز ديناميات الفعل البرلماني بين الأغلبية والمعارضة، ويُكرّس مبدأ المحاسبة المباشرة للأداء السياسي والتشريعي”.

ويرى المتحدث أهمية “الموازنة بين مقتضيات العلنية وضمان نجاعة النقاش البرلماني داخل اللجان، بما يُساهم في كشف التعقيدات المرتبطة بإعداد السياسات العمومية، وخاصة السياسات المالية ذات الأثر المباشر على معيش المواطنين اليومي”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا