استقبلت وزارة الدفاع وقدامى المحاربين في مالي وفدا عسكريا من القوات المسلحة المغربية، يرأسه اللواء عبد الغني محيب؛ وذلك لعقد الاجتماع الأول للجنة العسكرية المشتركة بين البلدين، حسب ما أفاد به بلاغ للقوات المسلحة في جمهورية مالي.
وأشار المصدر ذاته إلى عقد لقاءات بين الجانبين بحضور الجنرال محمدو مساولي سماكي، المستشار الاستراتيجي بهيئة الأركان العامة للجيش المالي، حيث ناقش المجتمعون سبل تعزيز التعاون العسكري الثنائي بين البلدين في مجالات عديدة؛ بما في ذلك التدريب والتجهيز.
وأعرب الجنرال عمر ديارا، رئيس الأركان العامة للجيش، عن سعادته بعقد هذا اللقاء الذي يتماشى مع الرؤية السياسية لرئيس المرحلة الانتقالية في مالي. كما حث الوفدين على التحلي باللباقة وروح الفريق والتعاون الجيد لما فيه مصلحة البلدين.
من جهته، عبّر اللواء عبد الغني محيب عن امتنانه للسلطات العليا في كلا البلدين على حرصها على تعزيز الشراكة العسكرية، مؤكدا أن المملكة المغربية ومالي تربطهما علاقات تعاون قوية منذ سنوات طويلة في مجالات عديدة، مجددا في الوقت ذاته التزام الرباط بدعم دول منطقة الساحل في مواجهة التحديات التي تمر بها.
قال عبد الرحمان مكاوي، خبير في الشؤون العسكرية، إن “انعقاد الاجتماع الأول للجنة العسكرية المشتركة بين المغرب ومالي وزيارة الوفد العسكري المغربي برئاسة اللواء عبد الغني محيب إلى مالي يأتيان في ظل حالة اللاأمن والتهديدات التي تواجه الدولة المالية من لدن التنظيمات الإرهابية النشطة في المنطقة، على غرار جماعة نصر الإسلام والمسلمين المقربة من النظام الجزائري، وكتيبة ماسينا التي تنشط في الشريط الجغرافي لمنطقة الساحل الإفريقي”.
وأضاف مكاوي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذه التحديات تفرض على السلطات المالية تعزيز وتقوية علاقات التعاون العسكري مع الدول المؤثرة والقوية أمنيا، على غرار المغرب”، مشيرا إلى أن “القوات المسلحة المالية تحتاج، على ضوء الوضع الأمني المعقد في المنطقة، إلى تدريبات وتكوينات لعناصرها، خاصة قوات الكوماندوز؛ وبالتالي يمكنها الاستفادة من تجربة الجيش المغربي في هذا الصدد”.
وأوضح الخبير في الشؤون العسكرية أن “التعاون العسكري المغربي – المالي يشكل أحد المفاتيح المهمة بالنسبة للسلطات في باماكو من أجل استتباب الأمن والتغلب على مختلف التحديات التي تواجهها من طرف الجماعات والتنظيمات المسلحة، التي باتت تتوفر على إمكانيات وأسلحة مهمة”، معتبرا في الوقت ذاته أن “المغرب معني هو الآخر بهذه التحديات والتهديدات، التي تمولها بعض الفواعل الإقليميين من أجل إجهاض المبادرة الأطلسية التي أطلقتها المملكة لفائدة دول الساحل”.
وشدد على أن “التعاون العسكري بين المغرب ومالي أصبح ضرورة استراتيجية للقطع مع حالة عدم الاستقرار في منطقة الساحل المشتعلة أمنيا، وفتح باب الاستثمار والتنمية في هذه المنطقة”، مؤكدا أن “انخراط المغرب في بناء علاقات عسكرية مع مالي يعكس التزام الرباط بأمن واستقرار هذا البلد”.
واعتبر أن “المغرب، بالإضافة إلى استعداده لمواكبة إعادة هيكلة الجيش المالي وتدريب ضباطه، فإنه مستعد أيضا للمساهمة في حل ملف أزواد، خاصة أن الكثير من القبائل الطوارقية لها جذور مغربية، ويحظى المغرب بمكانة خاصة لديها؛ وهذا ما يثير مخاوف بعض الدول، وعلى رأسها الجزائر، التي سحبت السلطات المالية مفاتيح هذا الملف من تحتها بسبب سياساتها التدخلية والتخريبية في مالي”.
أكد هشام معتضد، الباحث في الشؤون الاستراتيجية، أن “تعزيز التعاون العسكري بين المغرب ومالي في الظرفية الحالية يعكس رؤية استراتيجية عميقة للمصالح المتبادلة بين البلدين، خاصة في ظل التحديات الأمنية المتزايدة في منطقة الساحل”، معتبرا أن “استضافة باماكو لأول اجتماع للجنة العسكرية المشتركة مع المغرب تؤكد رغبتها في تنويع شراكاتها الدفاعية، في وقت تواجه فيه عزلة متزايدة بسبب تعقيدات علاقاتها الإقليمية والدولية”.
وتابع الباحث، في تصريحه لهسبريس، أن “مالي تسعى من خلال هذا التقارب إلى إعادة التموقع إقليميا، خاصة أن المغرب يتمتع بعلاقات دبلوماسية قوية مع القوى الكبرى ومع الاتحاد الإفريقي؛ ما يجعل الرباط شريكا موثوقا قادرا على توفير دعم غير مشروط يساعد باماكو في تجاوز عزلتها وتطوير منظومتها الدفاعية”، مبرزا أن “هذا التعاون لا يقتصر على الجانب الأمني فقط، بل يحمل أيضا أبعادا دبلوماسية مهمة، حيث يوفر لمالي قناة تواصل غير مباشرة مع المجتمع الدولي عبر بوابة المغرب”.
وأشار إلى أن “تعميق الشراكة العسكرية مع مالي ينسجم مع استراتيجية المغرب لتعزيز نفوذه في منطقة الساحل، التي تشكل امتدادا طبيعيا لمجاله الجيوسياسي”، مضيفا أن “أهمية هذا التقارب تكمن في كونه يساهم في تعزيز الدور المغربي كبديل استراتيجي موثوق للشركاء الإقليميين الباحثين عن شراكات عسكرية متوازنة، بعيدا عن النفوذ الأحادي للقوى الكبرى. وبالتالي، فإن توطيد هذه العلاقة قد يسمح للمغرب بإعادة رسم معادلات التعاون العسكري في غرب إفريقيا، بما يخدم مصالحه طويلة الأمد”.
وشدد الباحث ذاته على أن “المغرب يمتلك خبرة متقدمة في مكافحة الإرهاب والتطرف، ويمكنه أن يساهم في تعزيز قدرات الجيش المالي عبر برامج التدريب وتبادل المعلومات الأمنية”، لافتا إلى أن “هذا المعطى قد يشكل عاملا أساسيا في تقوية الاستقرار الإقليمي، خاصة مع تصاعد نشاط الجماعات المسلحة في منطقة الساحل. لذلك، أعتقد أن هذه الشراكة العسكرية لا تهدف فقط إلى تعزيز القدرات الدفاعية لمالي، بل تسهم أيضا في تحصين المنطقة ككل ضد المخاطر الأمنية المتنامية”.
وخلص إلى أن “هذا التعاون يكرس سياسة المغرب الرامية إلى بناء شراكات إفريقية قوية تتجاوز الجوانب الاقتصادية إلى مجالات أكثر عمقا، مثل الأمن والدفاع. وبالنظر إلى الوضع الحالي في مالي، فإن تعزيز هذا التقارب يمنح الرباط نفوذا أكبر في إدارة الملفات الأمنية بالقارة؛ ما يعزز مكانتها كقوة إقليمية مؤثرة”.