آخر الأخبار

نقل التكنولوجيا بالمغرب.. تحديات اقتصادية وفرص ابتكار في مواجهة الهيمنة العالمية

شارك الخبر
مصدر الصورة

يشهد المغرب تحولات اقتصادية عميقة، حيث يسعى جاهداً إلى تنويع الاقتصاد والاعتماد على الصناعة كمحرك رئيسي للنمو، وفي هذا السياق، يكتسي نقل التكنولوجيا أهمية بالغة، خاصة من خلال الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تجلب معها خبرات وتقنيات حديثة.

لكن هذا المسار يواجه تحديات كبيرة، أبرزها المنافسة الشديدة من الشركات المتعددة الجنسيات وقلة قدرة الشركات المحلية على استيعاب هذه التقنيات.

وللغوض في الموضوع، أجرت “العمق” حواراً مطولاً مع الخبير الاقتصادي، فاروق النوري، الباحث في الاقتصاد السياسي، الذي أبرز النقاط التي تمحورت حول نقل التكنولوجيا وتحدياته بالمغرب، ودور الدولة في تعزيز التوجه الصناعي الوطني.

وأوضح الخبير أن نقل التكنولوجيا عملية تتطلب استيعابًا عميقًا وتكييفًا محليًا، على عكس الانتشار العفوي، ويستلزم ذلك استثمارًا في الفهم والبحث العلمي لتطوير وتكييف التكنولوجيا لتناسب السوق المغربية.

وأشار إلى أبرز تحديات نقل التكنولوجيا، ومنها عدم توازن المعلومات واحتكار القلة، ما يعطي موردي التكنولوجيا قوة سوقية، كما ناقش كيف يمكن للدولة دعم الشركات الوطنية في مفاوضاتها مع مزودي التكنولوجيا، وتوفير بيئة ملائمة للبحث والتطوير، خصوصاً للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تمثل نسبة كبيرة من الاقتصاد المغربي.

وتطرق النوري إلى المخاطر المرتبطة بالاستثمارات الأجنبية، منها الاعتماد المفرط على التكنولوجيا المستوردة، وقلق التبعية التكنولوجية، واختتم المتحدث بتوصية بأن تسعى الدولة لتوجيه الاستثمارات بما يوازن بين مصالح القطاع الخاص والأهداف الوطنية، مع التركيز على بناء القدرات المحلية لضمان تنمية مستدامة ومستقلة.

وفيما يلي نص الحوار كاملا:

1 – ما هو نقل التكنولوجيا في القطاع الصناعي؟ وما الفرق بينه وبين انتشار التكنولوجيا؟

الفرق بين نقل التكنولوجيا وانتشارها هو أن النقل أقل عفوية من الانتشار، إذ قد يحدث الانتشار دون وعي المتلقي، كما هو الحال في انتشار استخدام شبكات التواصل الاجتماعي بين الأطفال، أما النقل، فهو عملية واعية وموجهة تتطلب فهماً أعمق يتجاوز مجرد كيفية الاستعمال، فعلى سبيل المثال، بينما يمكننا القول بأن تقنية الهاتف الذكي قد انتشرت بشكل واسع بين المغاربة، لا يمكن القول بأن الأفراد أو المؤسسات المغربية قد نجحوا في نقل تقنية الهاتف الذكي.

وبالتالي النقل يتم عبر استيعاب التكنولوجيا وفهم منطق عملها، والقدرة على إصلاحها وتعديلها لتلائم خصوصيات الإنتاج والاستهلاك المحلي، بالإضافة إلى تطويرها بهدف تعزيز قدراتها واستخداماتها، أو تقليل استهلاكها للطاقة والمعلومات، وقد يصل التمكن من تقنية معينة، مثل الهواتف الذكية، إلى درجة الإبداع في تقنيات تصنيع التكنولوجيا ذاتها، سواء من أجل خفض التكلفة أو تحسين الجودة أو المكننة.

هنا، يتضح لنا أمران: أولهما أن النقل يتم على درجات، فالذي يتمكن من إصلاح الهاتف النقال في “سوق درب غلف” مثلاً ليس كمن يستطيع تجميعه يدوياً، وليس كمن يقوم بتصنيع الأجزاء وتركيبها وصنع الروبوتات الخاصة بذلك. والمعروف أن النقل بدون تخصيص يعني القدرة على صناعة المنتجات التي تعتمد على التكنولوجيا المراد نقلها.

الأمر الثاني هو أن نقل التكنولوجيا يتطلب استثماراً من المال والوقت، وتختلف قيمة هذا الاستثمار حسب مستوى وأبعاد النقل، في الغالب، يكون هذا الاستثمار موجهاً نحو الفهم والبحث العلمي. تجدر الإشارة إلى أن التكنولوجيا قد تتمثل في التصاميم والمعادلات التي تفسر طريقة عملها، أو في أساليب تصنيعها، أو في المنتجات التي تعمل عليها. ويتم نقل التكنولوجيا من خلال دراسة تحليلية للتصاميم، والهندسة العكسية، والبحث العلمي الذي يمكّن من تطويرها ودمجها مع تقنيات أخرى.

2. في نظركم ما هي أهم التحديات والمشاكل التي يواجهها قطاع نقل التكنولوجيا بالمغرب؟

يجب التذكير أنه وفقًا للنظرية الاقتصادية التقليدية التي تحد من دور الدولة في تصحيح عيوب السوق، فإن سوق التكنولوجيا، حيث تحدث عمليات الانتشار والنقل، يعاني بشكل خاص من عيوب عدة (Imperfections).

أولاً، هناك عدم توازن في المعلومات الذي يميز هذا السوق أكثر من غيره، وفي الواقع، لكي تكون التكنولوجيا قابلة للاستحواذ، أي مربحة لمخترعها، يجب أن يكون من الصعب نسخها، ففي النهاية، هي أفكار تتجسد في منتجات، ولحمايتها يجب إخفاؤها أو إخفاء الجزء الأهم منها. وهذا يجعل من الصعب على مستخدم التكنولوجيا أو من يرغب في إتقانها اختيار التقنية الأنسب، أو يتحمل تكاليف بحث ومعلومات غالبًا ما تكون مرهقة.

وتشمل هذه التكاليف التنقل إلى المعارض الدولية وأشكالًا مختلفة من الاستطلاعات، ويظهر عدم التوازن ليس فقط في مرحلة التعرف واختيار التكنولوجيا، بل عند استخدامها أيضًا، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال عقود التثبيت والإعداد والإصلاح التي يجب على المستخدمين الجدد للتكنولوجيا الاشتراك فيها، مما يوضح مدى هذا التفاوت(asymétrie).

ولتقليل تكاليف التعامل مع هذا التفاوت، تشارك الشركات في إنشاء مراصد تقنية، ويمكن للدولة التدخل بمساعدة الشركات على تحديد أحدث التقنيات، بشرط أن تمتلك الموارد البشرية اللازمة لمواكبة التقنيات الجديدة وتحديد ما يناسب الشركات الوطنية.

ماليزيا كانت تمتلك وكالة مسؤولة عن نقل التكنولوجيا، لم تكن تساعد الشركات فقط في تحديد التقنيات، بل أيضًا في اختيار تلك التي سيكون لها أكبر تأثير في الاقتصاد، وبناءً على هذه التأثيرات، يتم توزيع الإعانات والمساعدات المتعلقة بالنقل التكنولوجي وفقًا لتأثيراتها على بقية الاقتصاد.

ثانيًا، هناك عيب آخر يتمثل في تركز الموردين أو المنتجين في سوق التكنولوجيا، حيث يشكل السوق احتكار قلة oligopole، حيث تقدم هذه شركات القليلة معظم الحلول التكنولوجية، وهو ما يمنح لموردي التكنولوجيا قوة سوقية كبيرة، تمكنهم من استبعاد بعض الشركات من المنافسة، أو تقييد استخدام التكنولوجيا في مناطق معينة، وخصوصًا فرض أسعار مرتفعة. هنا، تتدخل الدولة لدعم الشركات الوطنية في هذه المفاوضات غير المتوازنة مع موردي التكنولوجيا.

ثالثًا، يتمثل العيب الثالث في الطبيعة الخطرة لأي عملية نقل تكنولوجي، وهو نوع من عدم اكتمال المعلومات (incomplétude d’information)، وحتى مع علم المستخدم بجميع البدائل التكنولوجية، فإن نجاح التكنولوجيا في منطقة معينة يعتمد على العديد من العوامل منها توفر كفاءات معينة وبعض موردي المواد الأولية وظروف السوق، مما يجعل عملية نقل التكنولوجيا محفوفة بالمخاطر. ولمواجهة هذا الخطر، يمكن للدولة استخدام عدد من الأدوات، بما في ذلك الطلب العام، الحماية، الدعم، أو حتى إنشاء شركات عمومية لتحل محل المبادرة الخاصة خلال مرحلة التعلم، وبعدها يمكن للدولة نقل النشاط إلى رواد الأعمال بعد التأكد من الربحية.

إلى جانب العيوب التي تعترف بها النظرية الاقتصادية التقليدية، يمكننا الإشارة إلى دور مهم للدولة في نقل التكنولوجيا وفي مشروع التصنيع بشكل عام: وهو دور القائد، فالبحث عن المصالح الفردية قصيرة المدى قد يؤدي بالبلاد إلى تبني تقنيات ذات فائدة اجتماعية (social vs privé) محدودة، وعلى الدولة التدخل لتوجيه الحركة العامة للاستثمار وتنسيق الجهود، خاصة وأن النظرية الاقتصادية تعرف منذ زمن طويل بأن بعض الاستثمارات قد لا تكون مربحة بشكل فردي، ولكنها تصبح مجدية إذا كانت مدعومة باستثمارات أخرى (problèmes de coordination et BIG PUSH THEORY).

أخيرًا، تتمتع الدولة بالشرعية لتوجيه التطور التكنولوجي على أراضيها، لأن الاستثمار في التكنولوجيا غير قابل للإلغاء (irreversible)، وكذلك تعلم التكنولوجيا من قبل الأطر والعاملين، وفي الواقع، كل الأمور الأخرى متساوية، فإن تبني تقنيات لا تضيف شيئًا للعمال والفنيين أقل فائدة من تقنيات تزيد من رصيد كفاءاتهم.
لا ندعو هنا إلى تدخل كامل من الدولة في الاقتصاد، بل إلى توجيه يأخذ في الاعتبار طموحات ومصالح القطاع الخاص، دون إغفال المصلحة الوطنية، وبمعنى آخر يمكن للدولة المساعدة في زيادة حجم “الكعكة” التي سيقتسمها لاحقًا رواد الأعمال، مع خلق المزيد من الوظائف والقيمة.

3- في إطار سعي المغرب إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على القطاع الزراعي، أولى الدولة اهتماماً كبيراً بتطوير قطاع الصناعي، وبالتالي كيف تطورت السياسات الصناعية في المغرب على مر السنين؟

كانت الجهود الأولى للتصنيع في المغرب تستند إلى النظريات الكينيزية والماركسية الرائجة آنذاك، وخاصة الرغبة في إنشاء نموذج يعتمد على الذات ومستقل، إلا أن فشل المبادرة الخاصة في تلك الفترة دفع الدولة لتكون المصممة والمنفذة للمشروع الصناعي، مما كان له تأثير على ديونها، ومع نهاية السبعينيات، وبعد أزمة الديون الأولى، اختار المغرب نهجا ليبراليًا يمكننا فهمه خارج نطاق الأيديولوجيا أو البحث عن السهولة، لأن جوهر الحجة الليبرالية هو المنافسة التي لم تسعَ الدولة المغربية لدعمها أبدًا.

وشهدت السياسات الصناعية في منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة توجها نحو تسويق البلاد (marketing territorial) لتعزيز الوظائف والصادرات، بدلًا من سياسة تطوير القدرات الإنتاجية المحلية والبحث عن ميزات نسبية جديدة (avantage comparatif).

4. المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسط تمثل 99,6 في المائة من النسيج الاقتصادي المغربي، وبالتالي ما هي الأدوات والموارد التي يمكن توفيرها لهذه المقاولات لتمكينها من المشاركة الفعالة في أنشطة البحث والتطوير؟

يمكن للدولة أن تدعم الشركات خلال فترة التعلم من خلال الحماية، وهي الحجة الكلاسيكية للصناعات الناشئة التي اعتمدتها جميع الدول الصناعية قبل أن تتحول بعض منها إلى تبني سياسة “دعه يعمل” التي قد لا تكون مفيدة، خاصة وأن الشركات الصغيرة والمتوسطة تحتاج بشكل خاص إلى أسواق وظروف تمويلية أكثر ملاءمة.

يمكن للدولة أيضاً أن تتدخل لإلزام الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالتعامل مع الشركات الصغيرة والمتوسطة الوطنية، خاصة من خلال شراء المنتجات الوسيطة منها، إذ كان هذا هو الحال مع “سيتم”، التي كانت تتولى تجميع الطلبات من الشركات متعددة الجنسيات وتوزيعها على الشركات الصغيرة والمتوسطة الوطنية، خاصة عند إنشاء وحدات صناعية جديدة.

كما قد يتطلب البيع للشركات متعددة الجنسيات قدرات لا تمتلكها الشركات الصغيرة والمتوسطة بمفردها، لذا يمكن للدولة أن تسهم في التنسيق أو ترتيب عمليات اندماج تمكّن هذه الشركات من تحقيق القدرات المطلوبة وأيضاً اقتصاديات الحجم اللازمة للتنافسية، وفي كل الأحوال، يعد دعم الدولة أمراً أساسياً، لكن يجب أن يكون رأس المال المغربي مستعداً لتحمل المخاطر التي ترافق أي عملية تبني للتكنولوجيا، كذلك، تُعتبر العلاقة التجارية مع الشركات متعددة الجنسيات، وفقاً للأبحاث الاقتصادية، واحدة من أفضل وسائل نقل التكنولوجيا، إلى جانب تدوير العمل.

5. هل يمكنكم تقييم وضع البحث والتطوير في المغرب؟ وهل يوجد توافق بين احتياجات القطاع الصناعي ونتائج البحث العلمي؟

لا توجد ملاحظات كبيرة في هذا السياق، إلا أن بعض المؤسسات، وعلى رأسها جامعة محمد السادس متعددة التخصصات، تُظهر آفاقًا واعدة، فهي تعمل في مجالات مهمة مثل صناعة البطاريات، التقنيات الجديدة، والتكنولوجيا الزراعية المتقدمة، بما في ذلك الأسمدة الحديثة، كما تشهد هذه المؤسسات تطورًا في مجالات مثل الأبحاث المتعلقة ب الرقائق الإلكترونية، وتحويل المخلفات إلى مواد نسيجية وأثواب، إلى جانب العديد من الابتكارات الأخرى.

6- يعتبر الاستثمار الأجنبي المباشر أحد الركائز الأساسية لتنمية ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
العمق المصدر: العمق
شارك الخبر

إقرأ أيضا