لا يزال مشروع القانون التنظيمي للإضراب يثير الكثير من الجدل في البرلمان، حيث طالبت فرق ومجموعة المعارضة بإرجاء المناقشة التفصيلية للمشروع في لجنة القطاعات الاجتماعية إلى حين التوافق بين الحكومة والنقابات حول مضامينه ضمن مؤسسة الحوار الاجتماعي، بينما ترى فرق الأغلبية أن لا مبرر لتأجيل جديد، مؤكدة ضرورة منح النواب حقهم في ممارسة مهامهم التشريعية.
وتساءل البرلماني عن الفريق الحركي، محمد أوزين، عن أسباب برمجة مشروع القانون التنظيمي للإضراب في هذا التوقيت تحديدا، مؤكدا أن هذا المشروع لا ينبغي إخضاعه لمنطق الأغلبية والمعارضة ولا لصناديق الانتخابات، إذ من شأنه أن يؤثر على مستقبل العمل والاستثمار لسنوات طويلة، ما قد يعود بالفائدة على الجميع.
وأضاف أوزين أن “ما يؤخذ على الحكومة هو اتخاذ القرارات بشكل فردي”، مشيرا إلى تسريبات تفيد بتوصل الحكومة إلى اتفاق مع النقابات بحدود معينة، في حين تنفي النقابات ذلك، قائلا: “لقد وضعتمونا في حالة ارتباك، فمَن نصدق؟ الحكومة أم النقابات؟ هذا الأمر يمسّ بهيبة ووقار المؤسسات”.
من جهته، قال البرلماني عن المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، مصطفى ابراهيمي، إن هذا القانون، رغم طبيعته الاجتماعية، يتم النظر فيه في مجلس النواب أولاً لأنه قانون تنظيمي، مشيرًا إلى أن الحكومة السابقة بدأت مسطرة المصادقة عليه منذ عام 2016.
وأبرز أن المعارضة طالبت برأي كل من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، موضحا أن الاستماع للحكومة وللنقابات لا يغني عن المشاورات الفعلية بين السلطة التنفيذية والشركاء الاجتماعيين الممثلين للعمال.
كما تساءل عن أوجه الاستعجال في مناقشة مشروع قانون الإضراب بالتزامن مع مشروع قانون المالية، مشيرا إلى أنه حتى النقابات المؤيدة للحكومة غير متفقة على مضامين هذا القانون، محذرا من تمريره بمنطق الأغلبية فقط.
وفي السياق نفسه، أعربت البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة التامني، عن استغرابها من هيمنة الحكومة على التشريع وتهميش دور المؤسسة التشريعية، واصفة المنهجية التي تتعامل بها الحكومة مع مشروع القانون بأنها “غير ديمقراطية”، ومشيرة إلى ضرورة أن يكون في إطار تفاوضي ضمن مؤسسة الحوار الاجتماعي.
وحذرت البرلمانية من التعامل مع هذا القانون بمنطق “شاورها ومديرش بريها”، مؤكدة أن النقابات ترفض مضامين المشروع جملة وتفصيلًا. كما ذكرت وزير الشغل بتعهده خلال المناقشة العامة بعدم الانتقال إلى المناقشة التفصيلية إلا بعد تحقيق التوافق في إطار الحوار الاجتماعي.
من جانبه، أكد رئيس الفريق النيابي للتقدم والاشتراكية، رشيد حموني، أن النظام الداخلي لمجلس النواب يمنح اللجنة الحق في قبول المناقشة التفصيلية أو تأجيلها، مشيرًا إلى أن فريقه طالب بمناقشة المشروع منذ عام 2011، حيث كان يُطلب التوافق عليه ضمن الحوار الاجتماعي، لكن الوزير آنذاك يخرج عبر الإعلام ويصرح بأن البرلمان هو من يعرقل المشروع.
وأوضح حموني أن مشروع القانون ليس عاديا بل يحتاج إلى التفاوض مع النقابات وجميع الأطراف المعنية، لافتًا إلى أن المشروع ينتظر التفاوض منذ 10 سنوات، وجاءت الحكومة الحالية وبرمجته في البرلمان. وأضاف مطالبا الوزير بالكشف عن 80% من النقاط المتفق عليها مع النقابات و20% من النقاط الخلافية، وبتحديد موقف واضح حول رأي المجلسين بخصوص القانون.
وفي المقابل، قالت البرلمانية خديجة الزومي عن الفريق الاستقلالي إنها كانت من الداعين لمناقشة المشروع داخل مؤسسة الحوار الاجتماعي، ولكن البرلمان يجب أن يقوم بدوره في التشريع، وعدم نقل مسؤوليته إلى الحوار الاجتماعي، مؤكدة أن النقابات توصلت بالفعل إلى توافق مع الحكومة على 80% من النقاط.
وأضافت الزومي أن حق الإضراب مكفول بالدستور، ولا يمكن لأحد أن يسلب هذا الحق، مشيرة إلى أن الفصل 288 من القانون الجنائي يعاقب كل من يدعو للإضراب بالسجن، مشددة على عدم “قرصنة” النقاش التشريعي وحصره في الحوار الاجتماعي.
في المقابل، اتهم أحمد تويزي، رئيس الفريق النيابي للأصالة والمعاصرة، جهات، لم يسمها، بمحاولة عرقلة مشروع القانون، مشيرًا إلى أن النقاش حول حق الإضراب مطروح منذ التسعينيات، وأن الحكومة الحالية تحلت بالشجاعة لتقديمه للبرلمان، مؤكداً أن حق الإضراب مكفول بالدستور، ولكن الآليات تحتاج إلى الوضوح.
وأضاف تويزي أنه لا يمكن لأي مؤسسة أن تحل محل البرلمان في التشريع، وأن النواب هم المخولون بذلك، وأنه لا ينبغي إلغاء هذا الاختصاص ومنحه للنقابات.