يُعتبر المسجد الحرام من أبرز معالم مدينة مكة المكرمة ومركز توجه ملايين المسلمين حول العالم، وهو يشهد باستمرار توسعات شاملة تعزز من سعة استيعابه للزوار وتطور مرافقه.
فقبل نحو مئة عام، كان المسجد الحرام لا يتسع لأكثر من 50 ألف مصلٍّ في وقت واحد. أما اليوم، وبفضل أكبر توسعة في تاريخه، وصلت الطاقة الاستيعابية للمسجد الحرام إلى 3 ملايين مصل في الوقت الواحد، ونحو 107 آلاف طائف في الساعة.
سُمي الحرم لأنه مكانٌ يُحرّم فيه ما يباح في مكان غيره، وتعد مكة المكرمة حرماً اختاره الله واختصه بمكانةٍ مقدسة، ويجب على المسلم احترام قدسيته وعظمته.
وبحسب وزارة الحج والعمرة في المملكة العربية السعودية، تمتد حدود الحرم المكي في أربعة اتجاهات محددة، حيث تصل شمالاً إلى مسجد السيدة عائشة على بُعد خمسة كيلومترات من مكة. أما جنوباً، فتشمل المنطقة مسافة تصل إلى عشرين كيلومتراً باتجاه جبل عرفة.
وإلى الغرب، تمتد حدود الحرم نحو جدة حتى تصل إلى حي الحديبية، على بعد ثمانية عشر كيلومتراً. وفي اتجاه الشرق يمتد إلى جعرانة على مسافة تقارب أربعة عشر ونصف كيلومتر.
في عام 2018، بلغ عدد الحجاج من داخل المملكة 217,187 حاجاً، بينما وصل عدد الحجاج القادمين من الخارج إلى 1,795,131 حاجاً، وفقاً للبيانات الصادرة عن وزارة الحج.
وبحسب بحث لجامعة أم القرى بعنوان "تاريخ وعمارة الحرمين الشريفين"، بدأت العمارة في مكة منذ قدوم النبي إبراهيم إلى المنطقة، حيث أمره الله ببناء الكعبة لتكون مقصداً للحجاج.
وكانت أول عملية توسعة شهدها المسجد الحرام خلال فترة الخلافة الراشدة، في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، إذ قام بشراء منازل محيطة به لزيادة مساحته، بعد أن قدّر أن المطاف قد ضاق بالمصلين في داخل المسجد، "فعمل على توسعة المطاف في السنة السابعة عشر من الهجرة بهدم الدور المحيطة بالكعبة المشرفة، فعارضه بعض ملاك الدور من الهدم فأمر بهدمها وتعويضهم بالمال" بحسب البحث.
كما أحاط بن الخطاب المسجد بجدار قصير، لتصبح للمسجد خصوصية تفصله عن الدور من حوله، ووضع مصابيح تضيء صحن المسجد.
ثم جاء ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان، وأضاف الأروقة المسقوفة والأعمدة الرخامية لتعليق مصابيح الإنارة عليها.
وتواصلت أعمال التوسعة على مر العصور، ومع قيام الدولة الأموية، أدخل خلفاءها الأعمدة التي جلبت من مصر وسوريا في بناء المسجد، وتبعهم في ذلك الخلفاء العباسيون والعثمانيون.
إذ اهتم سلاطين العصر العثماني بعمارة المسجد وأصبح يطلق على السلطان العثماني "خادم الحرمين الشريفين"، لتتوقف بعد سقوط الدولة العثمانية أعمال التوسعة لبعض الوقت، واقتصرت الأعمال على الترميم والإصلاح .
ومنذ تأسيس الدولة السعودية على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، شهد المسجد الحرام خطوات تطويرية مهمة، حيث أمر الملك المؤسس في عام 1927 بوضع المظلات في صحن المسجد لحماية المصلين من حرارة الشمس، وفي العام التالي أُنير المسجد كاملاً بالإضاءة الكهربائية. كما صُنع في عهده باب جديد للكعبة من الفضة الخالصة، نُقشت عليه آيات قرآنية بالذهب.
وفي عام 1955، انطلقت رسمياً أول توسعة للمسجد الحرام، بمبادرة من الملك سعود بن عبد العزيز. وقد شهدت هذه التوسعة، التي امتدت لعدة سنوات، مضاعفة مساحة الحرم لتصل إلى 160 ألف متر مربع، بطاقة استيعابية بلغت نحو 400 ألف مصلٍ.
وشملت الأعمال توسعة مكان الطواف، وتغطية أرضيته برخام مقاوم للحرارة، كما أضيف 64 باباً موزعاً على مختلف جهات المسجد.
وبعد مرور ثلاثة عقود، قام الملك فهد بن عبد العزيز بجولة أخرى من التوسعة بدأت عام 1988، شهد خلالها الحرم إدخال السلالم الكهربائية واستخدم نظام تكييف مركزي حديث مع تحسين شبكات المياه وأنظمة الصوت.
وأُضيف جزء جديد إلى المسجد الحرام من الجهة الغربية، حيث أصبحت المساحة الإجمالية لكامل المسجد نحو 366 ألف متر مربع بطاقة استيعابية وصلت إلى 820 ألف مصل.
وخلال تلك التوسعة أيضاً، استخدم الذهب والكريستال والزجاج والجرانيت لتزيين المسجد.
ووفقاً للبحث الذي نشرته جامعة أم القرى، شهد عهد الملك سعود عام 1955 بناء المسعى بين الصفا والمروى بطابقين، بهدف استيعاب أعداد أكبر من المصلين والساعين.
ومع تزايد أعداد الحجاج والمعتمرين، بدأت المملكة العربية السعودية بأمر من الملك عبد الله بن عبد العزيز في عام 2011 بتنفيذ أضخم توسعة يشهدها المسجد الحرام منذ تأسيسه، واستُكملت أعمالها في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز عام 2015. وخلال هذه التوسعة، اتسعت مساحة الحرم المكي لتصل إلى نحو 1.5 مليون متر مربع.
ولم تقتصر التوسعة على زيادة المساحات فقط، بل شهدت إدخال تقنيات حديثة متطورة داخل الحرم الشريف. فقد تم استخدام أنظمة رقمية مثل الكاميرات والحساسات لمراقبة أعداد المصلين وتنظيم التدفق لتفادي الازدحام.
كما اعتمدت التوسعة على الذكاء الاصطناعي من خلال روبوتات لتوزيع مياه زمزم وتعقيم الساحات، بالإضافة إلى تطبيقات إرشادية وشاشات تفاعلية متعددة اللغات، بهدف تسهيل تجربة الزوار داخل المسجد الحرام.
وعلى مر التاريخ، شهد الحرم المكي عدداً من المحطات التي استدعت في بعض الأحيان إغلاقه مؤقتاً، وتعد حادثة جهيمان العتيبي عام 1979، من أكثر الحوادث شهرة في العصر الحديث.
ففي صباح 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 1979، تجمع حوالي خمسين ألف مسلم لأداء صلاة الفجر في ساحة الكعبة، بينهم مئتا رجل يتبعون جهيمان العتيبي، حيث سيطروا على الحرم المكي لمدة أسبوعين، مما دفع السلطات السعودية إلى إغلاقه وتنفيذ عملية عسكرية لاستعادته، منهية بذلك واحدة من أبرز الأحداث في تاريخ الحرم.
وفي عام 2020 مع انتشاء وباء كورونا أغلقت السعودية المسجد الحرام لنحو أربعة أشهر قبل أن تعيد فتحه في موسم الحج مع فرض إجراءات احترازية مشددة، ثمّ عاد المسجد للعمل بكامل طاقته الاستيعابية عام 2021.