عزز المنتخب الوطني المغربي موقعه في سباق دور المجموعات بتعادل إيجابي أمام منتخب مالي، في مباراة عكست واقعية تدبير المنافسة القارية، حيث لا تُقاس النتائج فقط بلحظتها الآنية، بل بقدرة المنتخبات على ضبط المسار قبل الدخول في مباريات الحسم، حيث لم يكن التعادل نتيجة استثنائية أو مقلقة، بقدر ما عكس طبيعة هذه المرحلة من المنافسة، التي تُحسم فيها التفاصيل الصغيرة بمنطق التدرج، قبل أن تفرض البطولة إيقاعها الحقيقي مع اقتراب أدوار الإقصاء.
وجاءت المباراة في سياق تنافسي اتسم بالانضباط التكتيكي والندية، حيث سعى كل طرف إلى تفادي المخاطرة المفرطة، ما انعكس على مجريات اللقاء وفرض إيقاعاً حذراً في عدد من فتراته.
ونجح المنتخب المغربي في الحفاظ على توازنه العام، مع تسجيل حضور هجومي في لحظات متفرقة، مقابل اعتماد المنتخب المالي على التنظيم الدفاعي والضغط البدني، وهو ما أسفر في النهاية عن اقتسام النقاط.
وتُعد هذه النتيجة امتداداً لمنطق دور المجموعات، الذي يمنح المنتخبات هامشاً لإدارة المباريات وفق معطيات الترتيب والأهداف المسطرة، بعيداً عن منطق الإقصاء المباشر، وفي هذا الإطار، حافظ المنتخب المغربي على حظوظه كاملة في التأهل في صدارة المجموعة، كما مكّنه هذا التعادل من رصد مجموعة من الجوانب المرتبطة بالأداء الجماعي والجاهزية، قبل الانتقال إلى المرحلة التالية من المنافسة.
ويشكل هذا النوع من النتائج فرصة تقنية لتقييم الاختيارات وتدبير الجاهزية البدنية والذهنية للعناصر الوطنية، خاصة في ظل تقارب المستويات داخل المجموعة، كما أن المباريات المقبلة ستُجرى في سياق مختلف، حيث يرتفع منسوب الضغط وتتقلص هوامش الخطأ، ما يفرض الاستفادة من دروس دور المجموعات في ضبط الإيقاع وتحسين النجاعة في اللحظات الحاسمة.
ويندرج تعادل المنتخب المغربي أمام مالي ضمن المسار الطبيعي للبطولة، دون أن يؤثر على الأهداف المسطرة في هذه المرحلة، إذ يبقى الرهان قائماً على إنهاء دور المجموعات في وضع مريح، والاستعداد للأدوار الإقصائية وفق مقاربة تقوم على الاستقرار والانضباط، بعيداً عن تضخيم النتائج أو التقليل من قيمتها في هذه المرحلة المبكرة من المنافسة.
المواجهة أمام مالي أظهرت أن المنتخب المغربي يمتلك زمام السيطرة في فترات مهمة من اللقاء، ونجح في فرض إيقاعه والاقتراب من مرمى الخصم في أكثر من مناسبة، غير أن غياب النجاعة في بعض اللحظات حال دون ترجمة الأفضلية إلى نتيجة أوضح.
وفي المقابل، أكد المنتخب المالي مرة أخرى أنه من بين المنتخبات التي تجيد التعامل مع هذا النوع من المباريات، بالاعتماد على القوة البدنية والتنظيم الجيد، ما جعل المواجهة مفتوحة على كل الاحتمالات إلى حدود دقائقها الأخيرة.
ويرى متابعون أن التعادل جاء في توقيت مناسب، لأنه يسمح للطاقم التقني باستخلاص دروس مهمة قبل الدخول في مرحلة لا تقبل أي هامش للخطأ، فدور المجموعات، بحكم طبيعته، يمنح المنتخبات فرصة تصحيح المسار وتدارك بعض التفاصيل الفنية والذهنية، بعكس الأدوار الإقصائية التي يكون فيها أي خطأ مكلفاً.
ومن هذا المنطلق، شكلت مباراة مالي اختباراً حقيقياً لمدى جاهزية “أسود الأطلس” للتعامل مع الضغط، والحفاظ على التوازن بين الرغبة في الفوز والحرص على عدم فقدان السيطرة.
كما أبرز اللقاء الحاجة إلى رفع درجة التركيز في لحظات معينة، خاصة عند الانتقال بين الشقين الدفاعي والهجومي، إضافة إلى تحسين الفعالية أمام المرمى واستثمار الفرص التي تُصنع خلال فترات السيطرة، وهي معطيات تبدو طبيعية في مسار أي منتخب ينافس على اللقب، وتدخل ضمن العمل اليومي للطاقم التقني في إطار التحضير للمواعيد القادمة.
بعيداً عن منطق الأحكام السريعة، تبقى نتيجة التعادل جزءاً من مسار بطولة طويلة، لا تُحسم فيها الأمور في مباراة واحدة، بل في القدرة على التطور التدريجي وبلوغ أعلى مستوى في الأوقات الحاسمة، وقد أظهر المنتخب المغربي في مناسبات سابقة قدرته على التعامل مع مثل هذه المحطات بواقعية، وتحويلها إلى فرصة لمراجعة الاختيارات وتعزيز الانسجام داخل المجموعة.
المصدر:
العمق