آخر الأخبار

الضغوط الدولية تعيد تشكيل الموقف الجزائري من نزاع الصحراء المغربية

شارك

خصص الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون حيزا مهما من خطابه أمام غرفتي البرلمان، الثلاثاء، لتوجيه رسائل سياسية جديدة تستهدف الوحدة الترابية للمملكة، جدد من خلالها التأكيد على موقف بلاده المناوئ لمصالح الرباط ولمح إلى تمسكها بالرواية الرسمية التي تعتبر النزاع حول الصحراء المغربية “قضية مركزية” في السياسة الخارجية الجزائرية.

يأتي هذا التشبث بالمواقف العدائية في الوقت الذي تتحرك فيه واشنطن وقوى دولية أخرى لإحياء قنوات الحوار بين الرباط والجزائر، إيمانا بأن استعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين تمثل شرطا للاستقرار الإقليمي في منطقة تعيش على وقع تحديات أمنية معقدة. غير أن الجزائر، منذ قرارها قطع العلاقات مع المغرب وإغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات المغربية في غشت 2021، تمضي في ترسيخ سياسة القطيعة وتوسيع هوة الخلافات.

في المقابل، يواصل المغرب التأكيد على خياره الاستراتيجي القائم على الحوار وتجاوز الأزمات المفتعلة، مستلهما التوجيهات الملكية الداعية إلى طي صفحة التوترات وبناء علاقات طبيعية قائمة على حسن الجوار والمصير المشترك.

وبينما تبذل الدبلوماسية المغربية جهودا للحفاظ على مناخ الانفتاح، يبقى مستقبل العلاقات رهينا بمدى استعداد الجزائر للتجاوب مع المبادرات الرامية إلى تحقيق الاستقرار وتعزيز التعاون بين شعبين تجمعهما روابط تاريخية عميقة.

تعنت في مواجهة الإرادة الدولية

تفاعلا مع هذا الموضوع، قال إبراهيم بلالي اسويح، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية (الكوركاس)، إن خطاب الرئيس الجزائري أمام البرلمان يعطي انطباعا بأن ثبات الموقف من النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية لم تعد تعكسه النبرة ذاتها التي كان يعتمدها في مناسبات سابقة، لافتا إلى أن حدة الخطاب تجاه المغرب كانت هذه المرة أقل بخصوص الوضع الإقليمي، رغم الإشارات المعتادة التي تحمّل المملكة مسؤولية زعزعة الاستقرار فيما يتصل بقضية وحدتها الترابية.

وأكد أن ذلك قد يفسر باتجاه الجزائر نحو خطاب تغلب عليه الرصانة وتفادي التصعيد مرحليا، أو برغبتها في توجيه رسائل تفيد بوجود أولويات إقليمية جديدة تسعى الدبلوماسية الجزائرية للتمركز حولها، من بينها هذا النزاع، للخروج من العزلة الإقليمية والدولية الراهنة.

وأضاف اسويح، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن التوجه الدولي نحو اعتبار الجزائر طرفا رئيسيا في النزاع ساهم في إفراغ الخطاب الجزائري من أي مصداقية، سواء في ادّعاء الحياد أو في تبني مبادئ كانت تحظى سابقا بتعاطف دولي وإقليمي، خصوصا في إفريقيا وأوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية.

وشدد على أن هذا التطور يجعل من الموقف الجزائري اليوم مجرد تعنت في مواجهة الإرادة الدولية، بعد أن أثبتت المواقف المتتالية للدول، خلال السنتين الأخيرتين تحديدا، أن السياق الدولي لم يعد يتجاوب مع الطرح الجزائري ولا مع فلسفة دبلوماسيته، وهو ما يدركه جيدا صانع القرار السياسي والعسكري في الجزائر.

وبخصوص تجنّب تبون الخوض المطوّل في ملف الصحراء المغربية هذه المرة، أوضح المحلل السياسي أنه قد يرتبط بتطورات أممية حديثة، ومسار التسوية الذي دعا إليه مجلس الأمن عبر مفاوضات تجمع جميع الأطراف، بما في ذلك الجزائر، استنادا إلى مقترح الحكم الذاتي المغربي كحل واقعي.

وذكّر بأن رسائل النظام الجزائري سابقا كانت موجهة داخليا لغرض تأكيد المواقف التقليدية، وخارجيا للضغط على الأمم المتحدة بهدف عرقلة أي تقدم نحو الحل، منذ 2007 حين قدم المغرب مبادرته للحكم الذاتي، مبرزا أن الخطاب الرسمي الجزائري ركّز حينها على نسف المسار السياسي والعودة لخطط فاشلة ثبت استحالة تطبيقها، مشيرا إلى أن “مساعي الجزائر لفك العزلة الإقليمية، خصوصا في محيط دول الساحل، تعتبر من أسباب اعتماد خطاب أكثر هدوءا في هذه المرحلة، تفاديا لأي مواجهة مع أطراف إقليمية ولو تكتيكيا”.

ولفت الخبير في النزاع الانتباه إلى أن هناك مساع معلنة من صقور إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتسريع التقارب بين المغرب والجزائر، كما أن الحسابات الجيو-سياسية الأمريكية تنطلق من واقع أن الجزائر لم تعد محورا إقليميا بالقوة نفسها التي كانت عليها، وهو ما يدفعها-من وجهة نظره-إلى تفادي خطوات تصعيدية والتركيز على إعادة ترتيب الأوراق لمواجهة تراجع نفوذها.

كما سجل اسويح أن الأزمة الحالية التي تطبع علاقات الجزائر مع جيرانها تزيد من تعقيد الوضع وتُهدد بمزيد من التدهور الإقليمي، ما يجعل مراجعة النهج السياسي أمرا ضروريا للحفاظ على ما تبقى من التوازن الخارجي.

وفي هذا السياق، قال إبراهيم بلالي اسويح إن الكرة الآن في ملعب الجزائر لإظهار استعداد حقيقي للانخراط في دينامية الحل، بشكل ينسجم مع التوجه الدولي والجهود الأممية، بعيدا عن نهج العرقلة الذي طبع سلوكها الدبلوماسي طوال السنوات الماضية.

ارتفاع منسوب الضغوط الدولية

من جانبه، سجل محمد الغيث ماء العينين، نائب رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، أن قراءة خطاب الرئيس الجزائري الأخير أمام البرلمان يجب أن تتم بعيدا عن اعتباره تصعيدا مباشرا تجاه المغرب، مؤكدا أن “غياب النبرة العدائية الحادة، مقارنة بخطابات سابقة، لا يعني تراجع مركزية ملف الصحراء بالنسبة للجزائر، بل يرجّح أن يكون مؤشرا على ضيق هامش المناورة وارتفاع منسوب الضغوط، خاصة من الجانب الأمريكي”.

وأشار ماء العينين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن النبرة المحسوبة التي أظهرها الخطاب توحي بأن الجزائر تمرّ بمرحلة انتظارية دقيقة، تحاول من خلالها تجنب التصعيد مع المغرب ليس لأن الملف فقد أهميته لديها، ولكن لأنها تسعى لترك هامش يسمح بإدارة مرحلة معقدة، أو حتى التراجع التكتيكي دون تحمل كلفة سياسية مباشرة.

واستحضر الخبير في نزاع الصحراء المغربية أن المرحلة الحالية قد تشهد تحركات أو نقاشات تجري في الكواليس، سواء على مستوى العلاقة المباشرة مع الولايات المتحدة أو على صعيد التوازنات الإقليمية ذات الارتباط بملف الصحراء، موردا أن “ذلك يفسر حرص الخطاب الجزائري على ضبط نبرة الحديث بدلاً من الذهاب نحو مواجهة مفتوحة”.

واسترسل محمد الغيث في القول إن هذا السلوك ينسجم مع ما ميّز سنة 2025 باعتبارها مرحلة انتقالية، انتقل فيها تدبير النزاع من مستوى الخطاب التصعيدي إلى تضييق الخناق على الأطروحات الانفصالية، وفرض سقف واضح للحل في إطار الشرعية الدولية والمعايير الواقعية.

وخلص المحلل السياسي إلى أن الجزائر اليوم تحاول تكييف خطابها مع واقع دولي جديد، تعاد فيه صياغة موازين القوة، وتصبح فيه كلفة التصعيد أعلى من كلفة الانتظار، ما يجعل خيار التهدئة التكتيكية هو الأكثر انسجاما مع الوضع الحالي.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا