في ظل تحولات جيوسياسية واقتصادية متسارعة، تشهد القارة الإفريقية إعادة تشكيل شاملة لمشهدها الطاقي، حيث بات الغاز الطبيعي العملة الأبرز في تحديد موازين القوى الاقتصادية.
وفي هذا السياق، يبرز المغرب كقوة صاعدة، منتهجا استراتيجية واقعية تعتمد على مشاريع متوسطة الحجم ذات قيمة مضافة عالية، تستهدف تحصين الأمن الطاقي للمملكة ودعم دينامية الانتقال الطاقي.
وفي اعتراف دولي بوجاهة المقاربة المغربية، صنفت “غرفة الطاقة الإفريقية” مشروع المرحلة الثانية لحقل الغاز “تندرارة” ضمن قائمة “أهم 14 مشروعا استراتيجيا” في القارة السمراء.
واعتبرت الغرفة أن هذا المشروع لا يمثل مجرد عملية استخراج روتينية، بل يعد محركا لتعزيز الاستثمار والابتكار في قطاعات النفط والغاز والغاز الطبيعي المسال (LNG).
ويشرف على هذا المشروع الحيوي تحالف يضم شركة “Mana Energy” و”Sound Energy” والمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن (ONHYM).
ويهدف المشروع، الواقع في الجهة الشرقية للمملكة، إلى ضخ ما يناهز 42 مليون قدم مكعب من الغاز يوميا في شرايين الشبكة الوطنية، عبر خط أنابيب يمتد لـ 120 كيلومترا، لربط الحقل بخط الأنبوب المغاربي-الأوروبي سابقا، ومنه إلى محطات توليد الكهرباء.
وتكمن الأهمية القصوى لهذا المشروع، الذي يتوقع أن يبدأ إنتاجه التجاري الفعلي مطلع عام 2028، في توقيته وأهدافه. ففي بلد يستورد أكثر من 90% من احتياجاته الطاقية، يأتي غاز تندرارة لتقليص فاتورة الاستيراد الثقيلة.
وتم تأمين تسويق هذا الإنتاج عبر عقد توريد طويل الأمد يمتد لعشر سنوات مع المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب (ONEE)، مما يضمن استدامة تزويد المحطات الكهربائية بالوقود الوطني.
وأظهر التقرير تباينا واضحا في خريطة الاستثمارات القارية. فبينما تواصل دول غرب وجنوب إفريقيا (نيجيريا، أنغولا، وموزمبيق) هيمنتها على الاستثمارات الضخمة الموجهة للتصدير نحو الأسواق العالمية (أوروبا وآسيا)، مع توقعات باستثمارات استكشافية تناهز 41 مليار دولار بحلول 2026، يقدم المغرب نموذجا مغايرا في شمال إفريقيا.
وخلافا للجزائر، التي يشير التقرير إلى مواجهتها تحديات هيكلية مرتبطة بتراجع الاستثمارات وتقادم البنية التحتية، أو ليبيا وتونس اللتين تكبح الاضطرابات السياسية والمؤسساتية طموحاتهما الغازية، يراهن المغرب على “الاستقرار والواقعية”.
وتعتمد الرباط على مشاريع مدروسة تلبي الطلب الداخلي المتزايد وتدعم الصناعة المحلية، مما يجعلها أقل تأثرا بتقلبات أسواق التصدير وأكثر تركيزا على السيادة الطاقية.
وخلص التقرير إلى خلاصة جوهرية مفادها أن الدول القادرة على المزاوجة بين الاستقرار السياسي، والوضوح التشريعي، والربط الذكي بين الإنتاج والطلب المحلي، هي التي ستقود قاطرة الطاقة في المستقبل.
ومن هذه الزاوية، يحتل المغرب موقعا “متوسطا ولكن تصاعديا” في المعادلة الإفريقية، حيث نجح في تحويل التحديات الجيولوجية إلى فرص اقتصادية، جاعلا من مشروع تندرارة عنوانا لمرحلة جديدة من الاعتماد على الذات والتكامل مع الطاقات النظيفة.
المصدر:
العمق