أماط عبد الله الفركي، رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، اللثام عن واقع وصمه بـ “سوداوي” يعيشه برنامج “انطلاقة”، المبادرة الملكية التي كان يعول عليها لتكون قاطرة للتشغيل الذاتي ودعم الشباب حاملي المشاريع.
وخلال بث مباشر عبر منصات التواصل الاجتماعي، أمس الأحد، وجه الفركي أصابع الاتهام بشكل مباشر إلى المؤسسات البنكية وعدد من الشركاء الحكوميين، محملا إياهم مسؤولية “وأد” أحلام آلاف المقاولين الشباب.
واستهل الفركي حديثه بالتذكير بالأهداف المُثلى للبرنامج الذي تم توقيع اتفاقيته الإطار أمام الملك محمد السادس في يناير 2020، حيث كان الهدف المسطر هو خلق ما لا يقل عن 13,500 مقاولة سنويا، وتوفير التمويل والمواكبة الضروريين لضمان استدامتها.
إلا أن الواقع، بحسب الفركي، جاء مخالفا للتوقعات؛ حيث واجه البرنامج منذ انطلاقته عثرات متتالية، بدأت بتداعيات جائحة كوفيد-19، واستمرت بسبب الاختلالات التنفيذية التي طبعت الفترة ما بين 2020 و2024.
وأكد المتحدث أن الأطراف الموقعة على الاتفاقيات، والتي تشمل البنوك، وزارة الاقتصاد والمالية، وزارة الداخلية، المراكز الجهوية للاستثمار، مكتب التكوين المهني، والمجموعة المهنية للبنوك، لم تلتزم بوعودها المقدمة أمام الملك، خاصة فيما يتعلق بـ”المواكبة الفعلية” لحاملي المشاريع، وهو الركن الذي يعتبر حجر الزاوية لنجاح أي مقاولة ناشئة.
الأبناك .. “بلوكاج” وتمويلات موجهة لغير مستحقيها
وفي نبرة حادة، حمل الفركي القطاع البنكي المسؤولية الأكبر عن تعثر البرنامج، مشيرا إلى أن البنوك كانت السبب المباشر في إفلاس وفشل ما بين 80% إلى 90% من المشاريع المستفيدة.
وعزا ذلك إلى “التماطل غير المبرر” في معالجة الملفات، وتوقف البنوك عن منح قروض للمقاولات الصغيرة جدا لفترات امتدت لسنتين أو ثلاث سنوات، مما حكم على العديد من المشاريع بالموت قبل ولادتها.
وكشف الفركي عن معطى مثير يتعلق بتحوير مسار التمويلات؛ حيث أشار إلى أن الأبناك وجهت بوصلة الدعم مؤخرا نحو فئات مهنية محددة كالأطباء والصيادلة، مفضلة إياهم على حاملي المشاريع الصغيرة جدا والمقاولين الشباب، وهو ما يعتبر خروجا صريحا عن فلسفة البرنامج وأهدافه الاجتماعية والتنموية التي حددتها التوجيهات الملكية.
ولم يقتصر النقد على التمويل فحسب، بل شمل الجانب التشريعي والتنظيمي، إذ أوضح رئيس الكونفدرالية أن المقاولات الصغيرة جدا لا تزال محرومة من حقها القانوني في الاستفادة من حصة 20% من الصفقات العمومية، رغم وجود مراسيم تطبيقية وقوانين واضحة بهذا الشأن، معتبرا أن تفعيل هذا المقتضى كان كفيلا بإنقاذ العديد من المقاولات المتعثرة وضمان دوران عجلتها الاقتصادية.
كما تطرق الفركي إلى “الإدماج المالي في العالم القروي”، مؤكدا أنه ظل حبرا على ورق. فرغم التزامات مؤسسات كبرى مثل “القرض الفلاحي” و”بريد بنك” ووزارة الفلاحة، لم يلمس المقاول القروي الدعم المنشود، وغابت المواكبة الميدانية التي كانت ستسمح بخلق دينامية اقتصادية في المناطق النائية.
وأمام هذا الوضع المتأزم، كشف الفركي أن الكونفدرالية لم تقف مكتوفة الأيدي، بل رفعت الملف إلى المجلس الأعلى للحسابات منذ أكتوبر 2023، مؤكدا أن المجلس بصدد إجراء تقييم شامل للبرنامج للوقوف على الخروقات، وتحديد المسؤوليات بشأن عدم الوفاء بالالتزامات المالية التي رُصدت للبرنامج، والتي تبلغ حوالي 6 مليارات درهم (3 مليارات من البنوك و3 مليارات من الدولة).
واختتم الفركي حديثه بسلسلة من المطالب الاستعجالية، أبرزها ضرورة التدخل الفوري لإعادة جدولة ديون المقاولات المتضررة، مراعاة للظروف القاسية التي مرت بها (الجائحة، التضخم، الجفاف).
وحذر من أن استمرار التعنت البنكي سيؤدي إلى موجة إفلاسات غير مسبوقة ومتابعات قضائية قد تعصف بمستقبل آلاف الشباب.
كما لوح الفركي بتصعيد اللهجة، مؤكدا أن الكونفدرالية ستواصل الترافع عن الملف قضائيا وإعلاميا لضمان ربط المسؤولية بالمحاسبة، وإعادة قطار “انطلاقة” إلى سكته الصحيحة خدمة للاقتصاد الوطني والسلم الاجتماعي.
المصدر:
العمق