أعادت موجة الاضطرابات الجوية التي شهدتها عدد من مناطق المغرب، خلال الأيام الأخيرة، إلى الواجهة إشكالية تدبير الزمن المدرسي في حالات الطوارئ المناخية، بعدما اضطرت السلطات المحلية والأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين إلى توقيف الدراسة مؤقتًا في مجموعة من الأقاليم، حفاظًا على سلامة التلاميذ والأطر التربوية.
وجاء قرار تعليق الدراسة، الذي شمل مناطق جبلية وقروية بالخصوص، على خلفية التساقطات المطرية الغزيرة، والرياح القوية، وتساقط الثلوج في بعض المرتفعات، ما أدى إلى صعوبة التنقل وانقطاع عدد من المسالك الطرقية، فضلاً عن المخاطر المرتبطة بسلامة البنيات المدرسية في بعض المؤسسات.
وأكدت وزارة التربية الوطنية، في بلاغات متفرقة عبر الأكاديميات الجهوية، أن هذا الإجراء يندرج في إطار التدابير الاستباقية الرامية إلى تفادي أي حوادث محتملة، مشددة على أن استئناف الدراسة سيتم فور تحسن الظروف الجوية وضمان شروط السلامة.
غير أن هذا التوقيف المؤقت، وإن كان مبررًا من زاوية السلامة، أعاد طرح تساؤلات أوسع حول جاهزية المنظومة التعليمية لمواجهة التقلبات المناخية المتكررة، خاصة في المناطق الهشة، حيث يتحول سوء الأحوال الجوية إلى عامل شبه سنوي في تعطيل الدراسة.
في هذا السياق أكد جمال شفيق، الخبير التربوي والمفتش المركزي السابق، أن “القرار يندرج ضمن حالة إنذارية واضحة، إذ إن معطيات الطقس كانت تشير إلى مخاطر حقيقية، خاصة في المناطق التي تعرف شتاءً قاسياً، حيث يمكن أن تتحول الطرق إلى مجار مائية، ما يشكل تهديداً مباشراً لسلامة التلاميذ”، وأضاف ضمن تصريح لهسبريس أن “حياة التلاميذ تبقى أولوية مطلقة، وبالتالي القرار في هذا الإطار معقول ومسؤول، إذ لا يمكن المجازفة بها مهما كانت الاعتبارات”.
وأوضح شفيق أن توقيف الدراسة لبضعة أيام لا يعني ضياع الموسم الدراسي، مبرزاً أن “هناك دائماً إمكانيات للتدارك، سواء عبر حصص الدعم أو أنشطة التقوية، خصوصاً بالنسبة للمستويات غير الإشهادية”. أما المستويات الإشهادية، مثل البكالوريا والسنة الثالثة إعدادي والسادس ابتدائي، فيمكن، بحسب المتحدث، “اعتماد برامج مكثفة تضمن استكمال المقررات الدراسية دون الإضرار بجودة التعلمات”.
وشدد الخبير التربوي على أن قرار تعليق الدراسة لا تتخذه وزارة التربية الوطنية بشكل معزول، بل يتم بتنسيق مع وزارة الداخلية والسلطات الحكومية، بناءً على مؤشرات دقيقة لتقييم المخاطر، موردا أن “أي حادث محتمل لا قدر الله سيكون ثمنه أغلى بكثير من توقف مؤقت للدراسة”.
وفي ظل تزايد الظواهر المناخية القصوى دعا شفيق إلى التفكير في حلول استباقية أكثر استدامة، من بينها تطوير نماذج تعليم هجينة تجمع بين التعليم الحضوري والتعليم عن بعد، مذكّراً بتجربة التعليم خلال جائحة “كوفيد-19” التي أظهرت، رغم الصعوبات، إمكانية تعبئة الموارد البشرية والتقنية لضمان استمرارية التعلم.
من جهته اعتبر نور الدين عكوري، رئيس الفيدرالية الوطنية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ، أن تدبير مثل هذه الظروف الطارئة يظل ناقصاً في غياب تفعيل فعلي للتعليم عن بُعد.
وقال عكوري ضمن تصريح لهسبريس إن “توقيت الطوارئ قد يكون مفهوماً، لكن الإشكال الحقيقي هو أن التعليم عن بعد مازال غير مُفعّل بالشكل المطلوب، رغم التجارب السابقة، سواء خلال جائحة كوفيد-19 أو في أزمات طبيعية أخرى”.
وأوضح المتحدث ذاته أن الأزمات المتكررة “تعطي إشارات واضحة إلى أن المنظومة التربوية لا يمكن أن تعتمد فقط على التعليم الحضوري”، داعياً إلى “اعتماد نموذج مزدوج يدمج التعليم الحضوري بالتعليم عن بعد، ليس فقط في فترات الطوارئ، بل كخيار بيداغوجي دائم يساعد الأساتذة والتلاميذ على استمرارية التعلمات”، ومشددا على أهمية الاستثمار في الرقمنة، وتكوين الأساتذة تكويناً معمقاً في مجال التعليم الرقمي، إلى جانب تمكين التلاميذ، خصوصاً في العالم القروي والمناطق الهشة، من الوسائل التقنية الضرورية.
وحذر رئيس الفيدرالية من الاكتفاء بدعوة التلاميذ إلى البقاء في منازلهم خلال فترات تعليق الدراسة، معتبراً أن ذلك قد يعرض بعضهم لمخاطر أخرى، ومضيفاً أن “التلميذ حين يبقى في البيت دون متابعة دراسية قد يخرج للشارع أو لأماكن غير آمنة، بينما المطلوب هو أن يظل مرتبطاً بأستاذه وبرنامجه الدراسي عن بعد، مع تحمل الأسرة بدورها مسؤولية المواكبة”.
المصدر:
هسبريس