آخر الأخبار

من 21 إلى 52 قضية.. تقرير رسمي يرصد تزايد المتابعات القضائية ضد الصحافيين بالمغرب

شارك

كشف التقرير السنوي الثامن لرئاسة النيابة العامة حول تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة لسنة 2024، عن قفزة عددية لافتة في حجم القضايا المعروضة على القضاء والمتعلقة بقطاع الصحافة والنشر.

ورغم أن الأرقام تشير إلى منحنى تصاعدي في المتابعات، إلا أن تحليل المعطيات الواردة في الوثيقة الرسمية يزيح الستار عن واقع مغاير لما قد يتبادر للذهن، مؤكدا أن هذا التطور لا يعكس توجها مؤسساتيا نحو “التضييق” على العمل الصحفي، بقدر ما يترجم تحولات عميقة في سلوك المتقاضين وتنامي ثقافة اللجوء إلى القضاء لفض النزاعات المتعلقة بالنشر.

وبحسب المعطيات التي تضمنها التقرير، الذي اطلعت جريدة “العمق” على تفاصيله، فقد بلغ عدد القضايا المسجلة ضد صحافيين مهنيين خلال سنة 2024 ما مجموعه 52 قضية، وهو رقم يسجل ارتفاعا بأكثر من الضعف مقارنة بسنة 2023 التي لم يتجاوز فيها العدد 21 قضية.

غير أن قراءة خلفيات هذه الأرقام تكشف معطى جوهريا يغير زاوية النظر إلى هذا الارتفاع؛ إذ أوضح التقرير أن الغالبية الساحقة من هذه الملفات، وتحديدا 46 ملفا، لم تكن بمبادرة من السلطات القضائية أو الأمنية، بل جاءت بناء على شكايات مباشرة تقدم بها مواطنون أو هيئات اعتبروا أنفسهم متضررين من مواد إعلامية معينة.

وفي المقابل، سجل التقرير رقما دالا جدا يتعلق بالمتابعات التي تحركها النيابة العامة تلقائيا، حيث لم تبادر هذه الأخيرة إلى تحريك الدعوى العمومية إلا في حالتين (2) فقط طيلة السنة، وهو ما يمثل نسبة ضئيلة جدا من مجموع القضايا.

وتبرز هذه المؤشرات الرقمية، وفقا لتحليل رئاسة النيابة العامة، توجها استراتيجيا ثابتا نحو “ترشيد اللجوء إلى المتابعة العمومية” في قضايا الصحافة.

وينسجم هذا التوجه مع فلسفة السياسة الجنائية الحالية، التي تعتبر أن الأصل في قضايا النشر هو الخلاف بين طرفين (الصحفي والطرف المدعي)، وبالتالي فإن دور النيابة العامة يقتصر غالبا على ضمان تطبيق القانون دون أن تكون خصما.

وتفضل النيابة العامة تمكين المتضررين من سلوك مسطرة الشكاية المباشرة التي يتيحها القانون، وعدم التدخل لتحريك الدعوى العمومية إلا في الحالات الاستثنائية التي ينص عليها القانون صراحة، أو تلك التي تمس بشكل جسيم بالنظام العام وثوابت الأمة.

وعي قانوني أم تجاوزات مهنية؟

وفي سياق تفسير هذا الارتفاع الملحوظ في عدد القضايا، أشار التقرير إلى أن الظاهرة تعود إلى تضافر عاملين أساسيين؛ أولا، يلاحظ تزايد حالات خرق مقتضيات قانون الصحافة والنشر، وما يصاحب ذلك من تجاوزات لأخلاقيات المهنة في بعض المنابر، حيث أسفر هذا الوضع عن إنتاج مواد إعلامية تحتوي على سب أو قذف أو مس بالحياة الخاصة، مما يدفع المتضررين إلى التحرك قضائيا لحماية حقوقهم.

أما العامل الثاني، وهو الأهم، يتمثل في تنامي الوعي القانوني لدى المواطنين والمؤسسات، إلى جانب تغير الثقافة المجتمعية التي أصبحت تميل أكثر إلى الاحتكام للقضاء للمطالبة بالإنصاف وجبر الضرر، حيث بات الجمهور يفضل اللجوء إلى القضاء بدلا من الاكتفاء بآليات الوساطة التقليدية، أو الرد عبر وسائل الإعلام، أو التنازل خلال مراحل البحث التمهيدي كما كان شائعا في الماضي.

ومن النقاط المضيئة التي استعرضها التقرير، والتي غالبا ما يتم إغفالها عند تداول الإحصائيات، هو مصير الشكايات، إذ سجل التقرير أن عددا كبيرا من الشكايات المرتبطة بالمجال الصحافي لا يصل أصلا إلى مرحلة المحاكمة.

ويعود ذلك لعدة أسباب، منها عدم استكمال المشتكين للمساطر القانونية الشكلية، أو التوصل إلى صلح، أو “العدول عن المتابعة” خلال مرحلة البحث التمهيدي، حيث يشير التقرير إلى أن التغطيات الإعلامية غالبا ما تكتفي بالأرقام العامة للقضايا المسجلة دون الإحاطة بسياقها القانوني ومآلاتها، مما قد يعطي صورة غير دقيقة عن واقع حرية الصحافة.

وخلصت رئاسة النيابة العامة في تقريرها إلى التأكيد على أنها تواصل اعتماد مقاربة متوازنة وحذرة، تهدف إلى حماية حرية التعبير والصحافة باعتبارها ركيزة ديمقراطية، وفي الوقت ذاته صيانة الحقوق الفردية وسمعة الأشخاص من أي شطط. وشددت على الحرص على عدم تحويل القضاء إلى أداة لتصفية الخلافات خارج الإطار القانوني المنظم.

وبناء على ذلك، خلص التقرير إلى أن تطور المؤشرات الرقمية المسجلة سنة 2024 لا يمكن فصله عن هذا السياق العام، وهو يعكس “دينامية مجتمعية وقانونية” صحية تتسم بتزايد الثقة في القضاء كآلية لتدبير الاختلاف، أكثر مما يعكس تحولا عقابيا في السياسة الجنائية تجاه الجسم الصحفي.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا