آخر الأخبار

بيانات النيابة العامة تحرج التعاطي التشريعي مع زواج القاصرات بالمغرب

شارك

عاد ملف زواج القاصرين في المغرب ليفرض نفسه بقوة على أجندة النقاش الحقوقي، بعد تسجيل ارتفاع جديد في عدد طلبات الإذن بزواج القاصر سنة 2024، وفق ما كشف عنه تقرير رئاسة النيابة العامة حول “تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة”.

وحسب المعطيات الرسمية بلغ عدد طلبات الإذن بزواج القاصر الرائجة سنة 2024 ما مجموعه 16.960 طلباً، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة تناهز 11 في المائة مقارنة بسنة 2023، أي بزيادة 1641 طلباً. ويأتي هذا الارتفاع بعد تراجع ملحوظ سُجل سنة 2023، إذ بلغ عدد الطلبات حينها 15.319، مقابل 19.848 طلباً سنة 2022.

ورغم أن التقرير ذاته أشار إلى أن النيابات العامة تقدمت بملتمسات لرفض التصريح بالإذن في غالبية الطلبات فإن هذا المعطى لم يخفف من قلق الفاعلين الحقوقيين، الذين يعتبرون أن استمرار تسجيل آلاف الطلبات سنوياً يكشف محدودية الإطار القانوني الحالي، وعجزه عن حماية الطفلات بشكل فعلي.

في هذا السياق اعتبرت غزلان ماموني، رئيسة جمعية “كيف ماما كيف بابا”، أن عودة ارتفاع طلبات زواج القاصرين “مؤشر مقلق يعكس غياب الحسم التشريعي في هذا الملف”، مؤكدة أن أي تراجع ظرفي في الأرقام لا يمكن اعتباره مكسباً دائماً، ما دام القانون مازال يفتح الباب أمام الاستثناء.

وشددت ماموني، ضمن تصريح لهسبريس، على أن الحل الجذري يكمن في “منع صريح وواضح لتزويج الطفلات دون 18 سنة، دون أي استثناء”، معتبرة أن الإبقاء على سلطة الإذن القضائي يجعل من الاستثناء قاعدة واقعية، وأن سن 18 سنة هو سن الرشد القانوني، الذي يخول للفرد تحمل الالتزامات القانونية، من تصويت وانتخاب وإبرام العقود، ومتسائلة عن منطق السماح بزواج طفلة، بما يحمله من مسؤوليات أسرية وتبعات صحية ونفسية جسيمة، في وقت يمنع القانون نفسه عنها باقي مظاهر الأهلية القانونية.

ودعت رئيسة الجمعية الحقوقية إلى “تجريم جميع أشكال تزويج القاصرات، بما فيها الممارسات التقليدية غير الموثقة”، موردة أن التساهل مع “الزواج بالفاتحة” أو غيره من الأعراف “يفرغ النصوص القانونية من مضمونها، ويُبقي آلاف الطفلات عرضة للاستغلال والعنف والانقطاع المبكر عن الدراسة”.

وفي تفاعلها مع المعطيات الواردة في تقرير رئاسة النيابة العامة أبرزت ليلى أميلي، رئيسة جمعية “أيادي حرة”، أن الأرقام المسجلة سنة 2024 تضع المغرب أمام “مفارقة مقلقة” في مجال حماية الطفولة، موضحة أن الخطاب الرسمي الذي يتحدث عن مجهودات محاربة تزويج الطفلات لا ينسجم مع عودة ارتفاع طلبات الإذن بالزواج بعد تراجعها سنة 2023.

وأكدت أميلي، ضمن تصريح لهسبريس، أن ما يقارب 17 ألف طلب في سنة واحدة “رقم لا يمكن التعامل معه كمعطى تقني محض، بل كمؤشر اجتماعي خطير”، مشددة على أن هذه الظاهرة ترتبط بشكل وثيق بعوامل بنيوية، من بينها الفقر، والهدر المدرسي، واستمرار الأعراف الاجتماعية، إضافة إلى الخطابات التي تروّج لفكرة “الستر بالزواج”، بدل الاستثمار في تعليم الطفلة وصحتها ومستقبلها.

ورغم تنويهها بما وصفته بـ”تشدد النيابات العامة”، من خلال السعي إلى رفض غالبية الطلبات والاعتماد على الخبرات الطبية والأبحاث الاجتماعية، اعتبرت المتحدثة أن “هذا المجهود وإن كان يحسب لها من حيث المبدأ لا يخفي حقيقة استمرار تزويج القاصرات، خاصة في ظل الاستجابة لأكثر من 10 آلاف طلب”، وهو ما يعكس، بحسبها، “تحوّل الاستثناء القانوني إلى قاعدة اجتماعية قائمة”.

وسجلت رئيسة جمعية “أيادي حرة” بشكل إيجابي جهود إعادة إدماج أزيد من 71 ألف طفل في المنظومة التعليمية، لكنها نبهت إلى أن الفتيات، خصوصاً في العالم القروي والمناطق الجبلية، مازلن أقل استفادة من هذه المبادرات مقارنة بالذكور، واعتبرت أن إعادة الطفلة إلى مقاعد الدراسة لا يمكن أن تؤتي أكلها في ظل استمرار فتح باب تزويجها بترخيص قضائي، متسائلة عن جدوى محاربة الهدر المدرسي دون إغلاق المنافذ التي تعيد إنتاجه.

وخلصت أميلي إلى أن “تقرير النيابة العامة ينبغي ألا يُقرأ فقط كحصيلة سنوية، بل كدعوة صريحة إلى مراجعة شجاعة لمدونة الأسرة”، مطالبة بإلغاء المادة 20 التي تكرّس الاستثناء في تزويج القاصرات؛ كما شددت على ضرورة اعتماد سياسة عمومية متكاملة تنطلق من اعتبار الطفلة “مواطنة كاملة الحقوق، لها حق أصيل في التعليم، وفي الأمان، وفي الطفولة”، مؤكدة أن محاربة زواج القاصرات “ليست مسؤولية القضاء وحده، بل مسؤولية الدولة والمجتمع، تبدأ من المدرسة ولا تنتهي عند المحكمة”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا