أعادت التساقطات المطرية والثلجية التي شهدها المغرب خلال الأسابيع الأخيرة النقاش بقوة حول سؤال مركزي: هل يمكن اعتبارها إعلانًا عن الخروج من وضعية الجفاف، أم إنها مجرد متنفس ظرفي لأزمة مائية ممتدة؟.
خبراء البيئة والمناخ يجمعون على أن ما تحقق مهم، لكنه غير كافٍ لمعالجة اختلالات تراكمت على مدى سنوات.
يرى المصطفى العيسات، الخبير في البيئة والتنمية المستدامة والمناخ، أن “سنة مطرية واحدة حتى وإن كانت استثنائية لا تكفي للقول إن المغرب تجاوز الجفاف”، موردا أن “هذه التساقطات جاءت في وقتها الطبيعي، بخلاف ما كان عليه الحال خلال السنوات السبع الماضية التي تميزت باضطراب الموسم الفلاحي وتأخر الأمطار”.
ومع ذلك يشدد العيسات، ضمن تصريح لهسبريس، على أن “الأرقام الحالية تعكس تحسنًا ملموسًا، فقد بلغت نسبة ملء بعض السدود حوالي 78 في المائة، وهي مستويات لم تُسجل منذ ست أو سبع سنوات، كما هو الحال بالنسبة لسد مولاي عبد الله الواقع بحوض وادي أبي رقراق، الذي كان يعاني من خصاص حاد اضطر معه المغرب إلى نقل المياه عبر الأنابيب لتزويد الشريط الساحلي بين الرباط والدار البيضاء، الذي تقطنه نحو عشرة ملايين نسمة، صيف 2023”.
ويضيف الخبير ذاته أن “هذه التساقطات ساهمت في التخفيف من حدة الأزمة المائية العميقة، خاصة على مستوى تغذية المياه الجوفية، وذلك بعد سنوات شهد فيها العالم القروي موجات احتجاج بسبب العطش وفقدان مصادر الماء، إلى جانب تضرر كبير للقطاع الزراعي”، مردفا: “خلال فترة الجفاف اضطر المغرب إلى استيراد أكثر من 50 في المائة من حاجياته من الحبوب والقطاني، كما عرفت قطاعات حيوية، مثل زراعة الزيتون، ارتفاعًا قياسيًا في الأسعار وصل إلى حوالي 120 درهمًا للتر الواحد من زيت الزيتون، واليوم بدأت الأسعار تعرف تراجعًا ملحوظًا بفضل وفرة الإنتاج الناتجة عن الأمطار الأخيرة”.
ولا يقتصر الأثر الإيجابي على الأمطار، إذ يشير المتحدث إلى أن “التساقطات الثلجية التي سُجلت لأول مرة بهذا الحجم في جبال الأطلس الكبير والمتوسط والصغير تمثل بدورها بشائر خير؛ فذوبان هذه الثلوج سيساهم في تغذية الفرشات المائية وتعزيز مخزون السدود الكبرى، وعلى رأسها سد المسيرة بحوض أم الربيع”.
غير أن هذا التحسن، حسب العيسات، “يستدعي مواكبته بسياسات وقائية، من خلال تسريع إنجاز السدود الصغرى والتلية؛ فهذه المنشآت لا تساهم فقط في تخزين المياه، بل تحد أيضًا من آثار الفيضانات التي مازالت تهدد بعض المناطق، كما حدث في حوض أم الربيع، حيث ضاعت كميات مهمة من المياه في البحر، في وقت كانت مدن مثل آسفي تعاني من العطش وتعتمد على مياه التحلية القادمة من محطة الجديدة”.
من جهته يوضح علي شرود، الخبير المناخي، أن “السياق العام الذي يعيشه المغرب مازال سياق جفاف، غير أن ما تم تسجيله مؤخرًا يُعد تساقطات مطرية طبيعية جاءت في فصلها، وليست مجرد اضطرابات مناخية عابرة”.
ويشرح شرود ضمن تصريح لهسبريس أن “التساقطات الأولى كانت مرتبطة باضطرابات جوية قادمة من الواجهتين المتوسطية والأطلسية، بفعل تراجع تأثير المرتفع الآزوري، ما سمح بمرور التيارات الهوائية الرطبة من أوروبا؛ أما التساقطات الأخيرة فجاءت في قلب فصل الشتاء، وكأن المغرب عاد إلى نمط مناخي كان سائدًا قبل نحو 15 سنة”.
ويضيف الخبير ذاته أن “تميز هذه الأمطار يكمن في كونها كانت مسترسلة على مدى ساعات طويلة دون انقطاع، وهو ما سمح بتشبع التربة تدريجيًا وتفادي الفيضانات الكبرى، على عكس التساقطات القصيرة والعنيفة”.
بحسب شرود فإن “نزول الأمطار في وقتها سيكون له أثر إيجابي مباشر على الموسم الفلاحي، الذي تبدو مؤشراته الأولية مبشرة؛ كما أن نسبة ملء السدود مرشحة، في حال استمرار هذا النسق، لتتجاوز معدل 40 في المائة على الصعيد الوطني، وهو تحسن مهم مقارنة بالسنوات الأخيرة”.
أما التساقطات الثلجية فيعتبرها الخبير المناخي عنصرًا حاسمًا في المعادلة المائية، “فهذه الثلوج التي نزلت على ارتفاعات أقل من المعتاد، وشملت مناطق واسعة من الأطلس المتوسط والكبير والريف، تشكل خزانًا طبيعيًا للمياه، إذ تذوب ببطء وتغذي الفرشات المائية على مدى أشهر”.
ويتفق الخبراء على أن ما شهده المغرب هذا الموسم يمثل بداية انفراج حقيقي، لكنه لا يعني نهاية الجفاف، فسبع سنوات من الجفاف الهيكلي لا يمكن معالجتها بسنة واحدة ممطرة، مهما كانت استثنائية.
وعليه تبقى هذه التساقطات فرصة ثمينة ينبغي استثمارها عبر تسريع إنجاز المشاريع المهيكلة، وفي مقدمتها البرنامج الوطني للتزويد بالماء الصالح للشرب والسقي، الذي يراهن على إنجاز عشرات السدود في أفق 2027، انسجامًا مع الرؤية الملكية الهادفة إلى تحقيق السيادة المائية وضمان الأمن المائي للمملكة.
المصدر:
هسبريس