آخر الأخبار

كيف توظّف منصات تداول وهمية وهم الربح السريع لاصطياد المغاربة؟

شارك

مجددين مناداتهم ببناء “ثقافة مالية رقمية”، نبّه خبراء مغاربة في الشؤون المالية والتكنولوجية متابعون لديناميات الاستثمار في البورصة، التي ارتفعت معها مخاطر الاحتيال الرقمي عبر منصات تداول “وهمية” تُخفي “نوايا تلاعبية” واضحة، حسب ما عاينته الهيئة المغربية لسوق الرساميل واضطرّت معه إلى إصدار تحذير رسمي حول “تنامي نشاط الإرشاد الاستثماري غير المرخص” الذي ما زال يسقط مزيدا من المغاربة في شِراك المحتالين وبأساليب مستحدثة.

بين “بريق الربح السريع” وشِباك الاحتيال الرقمي، تبصم طفرةٌ “غير مسبوقة” مشهدَ المال والأعمال بالمملكة؛ فقد تضاعفت وتيرة المعاملات في بورصة الدار البيضاء لتعكس تحولا جذريا في العقلية الاستثمارية لجيل جديد ينشُد “التحرر المالي”. ومع ذلك، يبرز التحدي الأكبر في مواجهة موجة “إرشاد غير مرخص” ومنصات نصب وهمية تستغل مخططات “بونزي” وتقنيات الذكاء الاصطناعي للإيقاع بالمبتدئين؛ ما يضع الهيئات الرقابية والتربية المالية في اختبار حقيقي للفصل بين فرص الاستثمار المقننة وتغوّل التلاعبات الرقمية التي تهدد سلامة الادخار.

“فوضى المؤثرين الماليين”

بدر بلاج، خبير مغربي في تحليل الأسواق المالية الرقمية، قال إن “ما نشهده اليوم هو موضوع مستجد وبالغ الأهمية، يتعيّن وضعه في سياقه الصحيح، حيث تعيش بورصة القيم بالدار البيضاء تطورا كبيرا ونموا لافتا؛ فقد تضاعف حجم المعاملات تقريبا بين عامي 2023 و2024″، متوقعا “استمرار هذا التضاعف بنهاية 2025”.

وسجل بلاج، مصرحا لهسبريس، أن “هذا الرواج يعكس تغيرا جوهريا في العقلية والتقاليد الاستثمارية المغربية، إذ بات جيل شاب جديد ينفتح على الاستثمار في البورصة، محاكيا ما يحدث في الولايات المتحدة ودول الخليج”.

وتابع الخبير المغربي في تحليل الأسواق المالية الرقمية، شارحا: “لقد واكب هذا التوجه نجاحات لشركات كبرى أدرجت أسهمها في البورصة، حيث ارتفعت قيمة أسهمها بشكل ملحوظ. هذا الأمر جعل المغاربة يثقون في البورصة كوعاء لحفظ واستثمار أموالهم بدلا من الاقتصار على العقار أو الاستثمارات التقليدية. ومع توسع قاعدة المستثمرين، دخلت فئات لا علاقة لها بالعالم المالي، من موظفين وأشخاص ذاتيين يفتقرون للخبرة؛ ما خلق طلبا هائلا على المعلومات والنصائح حول كيفية وشراء الأسهم”.

في الميدان المالي، شدد المتحدث ذاته على أن “النصيحة يجب أن تقدَّم من جهات مرخصة حصرا من طرف الهيئة المغربية لسوق الرساميل (AMMC)، أو من يُعرفون ‘مستشاري الاستثمار المالي’ (CIF). لكن، وبسبب الطلب المتزايد، ظهر عرض غير مقنن عبر شبكات التواصل الاجتماعي (يوتيوب، واتساب، تليغرام، وإنستغرام). هؤلاء الأشخاص، سواء كانت لديهم خبرة سابقة أو قدموا من قطاعات أخرى، بدأوا بتقديم نصائح وتحليلات وتوقعات مستقبلية للأسهم بطريقة غير نظامية، مما يخلق منافسة غير متكافئة مع الجهات المرخصة التي تخضع لالتزامات وقوانين صارمة.

وأضاف الخبير سالف الذكر: “تكمن الخطورة الكبرى في إمكانية استغلال هؤلاء المؤثرين لثقة المتابعين من أجل ‘التلاعب بالسوق’. لقد رأينا كيف تلاحق هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) شخصيات مثل إيلون ماسك بسبب تغريدات قد تؤثر على السوق. وفي المغرب، عندما يصبح للمؤثر قاعدة جماهيرية واسعة، يمكنه توجيه السوق بشكل خطير؛ فمثلا، قد يخرج مؤثر ليدّعي أن شركة ما ستنهار، فيهرع الناس لبيع أسهمها مما يؤدي فعليا لانهيار سعر السهم”، لافتا إلى أن “هذا النوع من التأثير هو ما تحاول السلطات التنظيمية المالية (AMMC) التصدي له لحماية الشركات والمستثمرين”.

وأبرز بلاج: “هناك أساليب تقنية خطيرة تُمارس عالميا وقد تظهر محليا؛ منها تقنيات “الضخ والتفريغ” (مما يؤدي لسقوط مفاجئ للسهم وخسارة مروعة للمستثمرين الصغار)، و”نسخ التداول” (عبر مجموعات ‘تليغرام’ حيث يوجه المؤثر آلاف المتابعين لبيع أو شراء سهم معين في لحظة واحدة).

تقنين وعلامة للجودة

وضح بدر بلاج “أنّ ما قامت به الهيئة المغربية لسوق الرساميل، مؤخرا، هو دورها الطبيعي دَركيّا ماليا لحماية السوق. نحن بحاجة إلى تنظيم هذا القطاع الرقمي، ربما عبر مذكرات توجيهية تفرض على هؤلاء المؤثرين الحصول على رخص أو العمل تحت مظلة شركات معتمدة”.

وأبرز الخبير المغربي في تحليل الأسواق المالية الرقمية أن “المشكلة أن هؤلاء المؤثرين يحاولون التملص من المسؤولية القانونية بوضع عبارات ‘إخلاء مسؤولية’ مثل: (هذه ليست نصيحة مالية)؛ لكن التأثير الواقعي يظل قائما.

وأجمل المتحدث عينه أن “الحل يكمن في التكامل بين التربية المالية للمواطن وتقنين نشاط المؤثرين، واستثمار قدرة هؤلاء على الوصول لملايين المغاربة لنشر وعي مالي سليم بدلا من الصدام معهم”.

من جانبه، ركّز زهير لخديسي، خبير متخصص في قضايا التكنولوجيا والرقميات، بشكل أكبر على الجانب التوعوي والتقني مقترحا بعض “الحلول التنظيمية”، كـ’علامات الجودة”.

وشدد لخديسي، ضمن تصريح لجريدة هسبريس، بخصوص المخاطر المرتبطة بالاستثمار الرقمي، على “ضرورة ملحة لإطلاق حملات توعية مكثفة” تستهدف المغاربة.

وقال الخبير المتخصص في قضايا التكنولوجيا والرقميات: “يجب أن تتسم هذه الحملات بالوضوح التام، وأن تقدم شرحا شاملا وتفصيليا لكافة المخاطر المحتملة التي قد يواجهها المستثمر في الفضاء الرقمي، وذلك لرفع مستوى اليقظة لدى المواطنين”.

وتابع المتحدث عينه منبها: “يجب ألا نغفل عن دخول الذكاء الاصطناعي كأداة جديدة قد تُستغل في هذا المجال. لقد تابعنا، قبل أسابيع قليلة، تحذيرا بشأن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتزييف صورة أحد المدراء العامين لأكبر البنوك المغربية بهدف استقطاب الاستثمارات لمشروع وهمي. إن هذه التقنيات الحديثة تُضاعف من حجم المخاطر وتجعل عمليات الاحتيال أكثر تعقيدا وإقناعا”.

ومن الناحية التنظيمية، اقترح الخبير المتخصص “اعتماد نظام لمنح ‘علامة جودة’ (Label) أو تصنيف رسمي للمنصات المعترف بها قانونيا؛ حيث “سيتيح للمستثمرين التمييز بين المنصات التي تحترم المعايير والقوانين الجاري بها العمل وبين المنصات المشبوهة؛ مما يوفر بيئة استثمارية أكثر أمانا”.

ووضح أن “هناك إشكالية كبيرة تتعلق بمجال ‘التأثير’ (Influencing)، حيث نجد مجموعة من الأشخاص يقدمون نصائح استثمارية ومالية عبر وسائل التواصل الاجتماعي”، لافتا إلى أن “هذه النصائح تتضمن غالبا مخاطر جسيمة، أو تكون خارجة عن نطاق القوانين والأنظمة المعمول بها؛ ما يضع المستثمرين في مواجهة إكراهات مالية وقانونية. ومن الملاحظ حاليا غياب أي رد فعل حاسم أو تحذيرات رسمية كافية تنبه لمخاطر اتباع نصائح هؤلاء المؤثرين غير المتخصصين”.

تقوية “مناعة رقمية”

في ضوء التحذير الصادر عن الهيئة المغربية لسوق الرساميل، تبيّن، وفق أمين بلمزوقية، الباحث في التطور الرقمي رئيس الاتحاد الدولي للذكاء الاصطناعي، أن “التحول الرقمي، رغم ما يتيحه من فرص لتوسيع قاعدة المستثمرين وتسريع الولوج إلى المعلومة، أصبح -في الآن نفسه- أرضا خصبة لأساليب احتيال رقمية متطورة.

وأكد بلمزوقية، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “الاحتيال لم يعد يعتمد، اليوم، فقط على وعود ربح وهمية؛ بل بات يوظّف الذكاء الاصطناعي والخوارزميات وحسابات مزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي، ومحتويات مُقنعة تُحاكي الخطاب المهني؛ ما يصعّب على المستثمر غير المتمرس التمييز بين المنصات المرخّصة وبين الأنشطة غير القانونية”.

وشدد الباحث في التطور الرقمي على أن تقوية الثقافة المالية الرقمية لم تعد خيارا؛ واصفا إياها بـ”ضرورة استراتيجية؛ فالمطلوب هو الانتقال من منطق التحسيس التقليدي إلى بناء “مناعة رقمية” لدى المواطن، تمكّنه من فهم كيفية اشتغال المنصات الرقمية، وآليات الإعلانات المضللة، وتقنيات التلاعب النفسي المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مثل تقليد الخبراء أو تزوير الشهادات والنتائج”.

كما ينبغي “استثمار الذكاء الاصطناعي نفسه كأداة للحماية، عبر تطوير أنظمة لرصد الاحتيال، والتحقق من مصداقية المنصات، وتحليل المحتوى المالي المتداول على الفضاءات الرقمية”، رئيس الاتحاد الدولي للذكاء الاصطناعي.

وسجل المتحدث عينه أن “السلطات التنظيمية أمامها تحدي مواكبة السرعة الكبيرة التي يتطور بها الاحتيال الرقمي. وهذا يقتضي تعزيز القدرات التقنية للهيئات الرقابية، وتحديث الأطر القانونية لتشمل الأشكال الجديدة من الجرائم الرقمية، إلى جانب حضور أقوى وذكي على المنصات الرقمية حيث يتشكل وعي المستثمرين”.

وختم أمين بلمزوقية: “بناء سوق رقمية آمنة يمرّ عبر شراكة فعالة بين المنظمين، وخبراء التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، ووسائل الإعلام، من أجل حماية المستثمر، وصون نزاهة السوق، وترسيخ الثقة في الاقتصاد الرقمي الوطني”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا