آخر الأخبار

كيف تحولت استضافة المغرب لـ"كان 2025" إلى ساحة صراع إقليمي على القوة الناعمة؟

شارك

يطرح الصخب الإعلامي المتصاعد حول استضافة المغرب لنهائيات كأس إفريقيا للأمم 2025 تساؤلات جوهرية تتجاوز البعد الرياضي لتلامس خلفيات الصراع الإقليمي. ففي الوقت الذي تبرز فيه معالم تنظيم محكم وبنيات تحتية عالمية، تطفو على السطح حملات تشويش ممنهجة تفرض التمييز الدقيق بين نقد تقني يهدف للتجويد، وبين “بروباغندا” موجهة تحاول يائسة تبخيس المنجز عبر دغدغة العواطف وتوظيف الخصومة السياسية بديلاً عن الحجج الواقعية، في مشهد يعكس عجز هذه الأطراف عن مجاراة الإيقاع التنموي للمملكة.

يتعدى هذا اللغط المثار، وفق قراءات تحليلية للوضع، حدود التنافس الكروي ليؤكد أن “كان 2025” باتت أداة فعالة ضمن “القوة الناعمة” للمغرب في إفريقيا. ويبدو أن الريادة الرياضية القارية للمملكة تحولت إلى “ضريبة” نجاح تستدعي محاولات عرقلة من أطراف إقليمية، لا تنظر للحدث كمنافسة رياضية، بل كتهديد لمواقعها التقليدية أمام صعود نموذج مغربي متكامل يجمع بين الرؤية العمرانية، السياحية، والرياضية، ويؤسس لنموذج تنموي إفريقي مستقل.

رد فعل وتنافس على القوة الناعمة

وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي محمد شقير إن التظاهرات الكروية وتظاهرات الكؤوس الإفريقية والدولية أصبحت الآن رهانا أساسيا بين الدول، نظرا لأن هذا النوع من التنظيم يحظى باهتمام مختلف المكونات سواء كانت إعلامية أو شركات اقتصادية عملاقة، مما يفسر التنافس المحموم بين الدول حول تنظيم مثل هذه التظاهرات، وذلك في تصريح أدلى به لجريدة “العمق”.

وأشار شقير إلى أن المغرب تنبه إلى هذا المعطى منذ عقود، بدليل أن المغرب في عهد الملك الراحل الحسن الثاني كان قد تقدم عدة مرات لاستضافة كأس العالم إلى جانب تنظيم كأس إفريقيا، مبرزا أن المغرب بفوزه بتنظيم كأس إفريقيا 2025 في انتظار تنظيم كأس العالم 2030، قد حظي بمساندة أغلبية الدول نظرا لمجموعة من العوامل هيأته لتنظيم هذه التظاهرة، خاصة أن كأس إفريقيا يعتبر تنظيمه تحضيرا لتنظيم كأس العالم 2030.

وأوضح المتحدث ذاته أن هذا التنظيم الذي أظهر من خلال افتتاحه المستوى العالي وأشادت به كل وسائل الإعلام سواء الدولية أو الإفريقية، قد أثار لغطا وعدة حزازات من طرف خصوم المغرب خصوصا بعض الدول المنافسة للمغرب على المستوى القاري وعلى رأسها الجزائر، حيث إن النظام الجزائري لم يرق له فوز المغرب بتنظيم كأس إفريقيا.

وفسر المحلل السياسي هذا الموقف بأن هذا التنظيم يدخل في إطار منافسة إقليمية بين الدولتين، وأن النظام الجزائري يعتبر بأن فوز المغرب وتنظيمه لكأس إفريقيا بهذا الشكل سيظهره بمستوى أكثر تطورا وتنظيما وإشعاعا، وهو الأمر الذي حرك استفزازات الجزائر من خلال منتخبها، حيث ارتكب بعض أعضاء المنتخب مجموعة من الأعمال بما فيها “حجب صورة الملك” لاستفزاز المنظم المغربي.

ورصد شقير أن المنتخب الجزائري كان قد رفض حتى طريقة مراسيم استقباله من خلال عدم تناوله التمر والحليب والحفاظ على العادة المغربية، معتبرا أن هذا كله يدخل في إطار استفزاز المنظم المغربي خصوصا بعدما نجح المغرب في الدورة الافتتاحية للكأس بكل تلك الجمالية وبكل ذلك التنظيم المحكم سواء على الصعيد الأمني أو على صعيد استقبال الزوار أو على صعيد إظهار ارتباط المغرب بعمقه الإفريقي وإظهار تنوعه الثقافي.

واعتبر المتحدث أن هذه المظاهر كلها لم ترق للنظام الجزائري الذي يحاول بشكل من الأشكال أن يفسد هذا التنظيم أو ينتقص منه، وبالتالي فإن هذه المسألة تدخل في إطار التنافس الإقليمي بين الدولتين، خاصة في ظرفية جد حساسة بعدما أصدر مجلس الأمن قراره الأخير 2797 الذي يشكل أيضا انتصارا دبلوماسيا كبيرا، خاصة وأن الجزائر توجد من ضمن الأعضاء غير الدائمين بمجلس الأمن.

وخلص شقير إلى أن هذا يفسر هذا الارتباك وهذا اللغط سواء الإعلامي أو غيره، بدليل أن كل وسائل الإعلام الرسمية في الجزائر حاولت أن تقلص وتقزم من مستوى التنظيم، مع أن الجميع وكل الوسائل خاصة الإعلامية الكبرى أشادت بهذا التنظيم سواء إسبانيا أو فرنسا بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، بدليل أن أحد المسؤولين الكبار في الولايات المتحدة رغب في إمكانية أن يساهم المغرب في تنظيم الكأس التي ستنظمها الولايات المتحدة بمشاركة مع المكسيك، مما يؤكد أن هذا يدخل في إطار التنافس الإقليمي وتشكل إحدى آليات القوة الناعمة التي أصبحت الآن شكلا من أشكال التدافع بين الدول في تنافسها وتموقعها داخل المسرح العالمي أو الإقليمي.

ضيق الأفق وحضور الجماهير تاريخي

من جانبه، اعتبر حميد مسافي، الكاتب العام لجمعية مغرب شباب، أن ما يطفو اليوم على السطح من صخب حول استضافة المغرب لنهائيات كأس إفريقيا 2025 لا يستمد أهميته من وجاهته، بل يعد انعكاسا مباشرا لضيق أفق الخطاب الذي يرافق كل إنجاز مغربي ذي بعد قاري، وذلك في تصريح أدلى به لجريدة “العمق”.

وأوضح المتحدث ذاته أن المسألة لم تعد مرتبطة بتقييم موضوعي للتنظيم، وإنما بمحاولات متكررة لنزع المعنى عن النجاح عبر افتعال هوامش للنقاش لا وزن لها في ميزان الإنجاز وتقييمه، مشيرا إلى أن هؤلاء يضخمون تفاصيل لا علاقة لها بجوهر التنظيم، في حين يتجاهلون ما هو واضح ويراه العالم كاملا من جاهزية المنشآت واستمرارية اللعب في ظروف مناخية صعبة دون تأثير تقني، فضلا عن سلامة اللوجستيك وتقاطع التنظيم الرياضي مع رؤية عمرانية وسياحية ورياضية أوسع.

وأبرز الفاعل الجمعوي أن هشاشة ما يسمى “النقد” تتبدى هنا، حيث يعجز عن مقاربة الأساس فيلجأ إلى القشور أو “الكذب” في أحايين أخرى، مؤكدا أنه حين يصل الخطاب إلى اختلاق الوقائع وتدوير معلومات غير صحيحة حول الخدمات أو القرب المكاني أو الجوانب التقنية، فإنه يفقد آخر ما تبقى له من مشروعية، إذ لا يمكن للتنظيم أن ينتقد بـ “الإشاعة والكذب”، ولا يختزل في روايات “مفبركة” سرعان ما تسقط أمام المعاينة الميدانية، كادعاء انقطاع التيار أو بعد الملاعب.

وانتقد مسافي، في المستوى نفسه، سعي البعض لتحميل الجمهور ما هو ليس من مسؤوليته، وكأن الجماهير “مكرهة” على حضور مباريات لا تعنيها أو أن نجاح تظاهرة يقاس بملء المقاعد، مشددا على أن هذا المنطق لا ينتقد التنظيم بل يسيء فهم الثقافة الكروية ذاتها، حيث يرتبط الحضور بالقيمة الفنية والرمزية للمباريات لا بمجرد إدراجها في برنامج رسمي، مسجلا أن الجماهير حجت بشكل كبير لمباريات كثيرة، وأن الكان يسجل إلى هذه اللحظة حضورا جماهيريا “تاريخيا” مقارنة بكل الدورات السابقة.

وختم المصدر ذاته تصريحه بالتأكيد على أن ما يزعج هذا النوع من الخطاب ليس ما قد ينجز ناقصا، بل ما ينجز كاملا خارج دوائر قدرتهم على إحباطه، لافتا إلى أن المغرب وهو يراكم تنظيم التظاهرات الكبرى لا يحتاج إلى تلميع صورته بقدر ما يكتفي بترك الواقع يتكفل بالرد، لأن الفرق بين من يشتغل على الأرض ومن يشتغل على “الضجيج” لا يحتاج إلى كثير شرح.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا